للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ابْتِغاءَ مفعول لأجله أى يبذلون نفقتهم من أجل رضا الله- عز وجل- أو حال من فاعل ينفقون. أى ينفقون أموالهم طالبين رضا الله.

وقوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ معطوف على سابقه، وقد ذكر صاحب الكشاف أوجها في معنى هذه الجملة الكريمة فقال: قوله: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان، لأن النفس إذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها، ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين. ومِنْ على هذا الوجه للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه وحرك من نشاطه. ويجوز أن يراد من قوله- تعالى-: وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلّم ماله في سبيل الله، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه.

ومِنْ على هذا الوجه لابتداء الغاية، كقوله- تعالى- حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه، وتعضد هذا المعنى قراءة مجاهد: وتثبيتا من أنفسهم: فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه أن من يذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها كما في قوله- تعالى-: وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ «١» .

وخصص الجنة بأنها بربوة لأن الأشجار في المكان المرتفع من الأرض تكون عادة أحسن منظرا، وأزكى ثمرا، للطافة هوائها، فكان من فوائد هذا القيد إعطاء وجه الشبه- وهو تضعيف المنفعة وجمالها قوة ووضوحا، كما أن من فوائده تحسين المشبه به تحسينا يعود أثره إلى المشبه عند السامع.

ثم قال- تعالى-: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ.

والطل: هو المطر القليل وجمعه طلال، وهو مبتدأ محذوف الخبر أى فطل قليل يصيبها يكفيها.

والمراد أن هذه الجنة لطيبها وكرم منبتها تزكو وتثمر كثر المطر النازل عليها أو قل فكذلك نفقة المؤمنين المخلصين تزكو عند الله وتطيب كثرت أو قلت، لأن إخلاصهم فيها جعلها عند الله- تعالى- مضاعفة نامية.

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.


(١) تفسير الكشاف ج ١ صفحة ٣١٣ بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>