للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سورة النساء نجد آيات متعددة تتحدث عن قبائحهم، ومن ذلك قوله- تعالى-:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً.

أما سورة «التوبة» فهي أكثر السور حديثا عنهم، ولذا سميت بالفاضحة لأنها فضحتهم على رءوس الأشهاد، كما سميت بالمنقرة، لأنها نقرت عما في قلوبهم، وكشفت عنه، كما سميت بالمبعثرة لأنها بعثرت أسرارهم.. «١» .

والحق أنه لا تكاد تخلو سورة من السور المدنية، من الحديث عن المنافقين وعن سوء سلوكهم وأخلاقهم. ووجوب ابتعاد المؤمنين عنهم.

٤- والنفاق إنما يظهر ويفشو حيث تكون القوة، لذا لم يكن للمنافقين أثر في العهد المكي، لأن المؤمنين كانوا قلة مستضعفين في الأرض، ومن كان هذا شأنه لا ينافقه الناس، فضلا عن أن مشركي مكة كانوا بطبيعتهم جبابرة، وكانوا يعلنون حربهم على الدعوة الإسلامية إعلانا سافرا. لا التواء معه ولا مداهنة.

أما المؤمنون في العهد المدني، فقد كانوا أقوياء خصوصا بعد أن أسسوا دولتهم، وانتصروا على المشركين في غزوة بدر.. كما انتصروا على اليهود.. فظهرت حركة النفاق في المدينة، لمداهنة المؤمنين، وللحصول على نصيبهم من الغنائم التي يغنمها المؤمنون.. ولغير ذلك من الأسباب التي ذكرها العلماء والمؤرخون ... «٢» .

وسورة «المنافقون» فضحت أحوالهم، وكشفت عن دخائلهم وعن خسة نفوسهم..

وختمت بموعظة المؤمنين، وبحثهم على الإنفاق في سبيل الله، وعلى تقديم العمل الصالح، الذي ينفعهم في دنياهم وفي آخرتهم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة- مدينة نصر مساء الثلاثاء: ١٠ من شوال سنة ١٤٠٦ هـ ١٧/ ٦/ ١٩٨٦ م د. محمد سيد طنطاوى


(١) راجع مقدمة تفسيرنا لسورة التوبة.
(٢) راجع على سبيل المثال كتاب: (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) ج ٢ ص ١٧٦ للأستاذ محمد عزت دروزة. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>