للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبروا عن التظاهر بتصديقهم له صلى الله عليه وسلم بقولهم نَشْهَدُ- المأخوذ من الشهادة التي هي إخبار عن أمر مقطوع به- وأكدوا هذه الشهادة بإنّ واللام، للإيهام بأن شهادتهم صادقة، وأنهم لا يقصدون بها إلا وجه الحق، وأن ما على ألسنتهم يوافق ما في قلوبهم.

قال الشوكانى: أكدوا شهادتهم بإنّ واللام، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم، مع خلوص نياتهم، والمراد بالمنافقين، عبد الله بن أبى وأتباعه.

ومعنى نشهد: نحلف، فهو يجرى مجرى القسم، ولذا يتلقى بما يتلقى به القسم ...

ومثل نشهد: نعلم، فإنه يجرى مجرى القسم كما في قول الشاعر:

ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها «١»

وقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ جملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها، من كونه صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله- تعالى- حقا.

وجملة: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ معطوفة على قوله: قالُوا نَشْهَدُ.

أى: إذا حضر المنافقون إليك- أيها الرسول الكريم- قالوا كذبا وخداعا: نشهد إنك لرسول الله، والله- تعالى- يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ حقا سواء شهدوا بذلك أم لم يشهدوا، فأنت لست في حاجة إلى هذه الشهادة التي تخالف بواطنهم.

وَاللَّهُ- تعالى- يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ في قولهم: نشهد إنك لرسول الله، لأن قولهم هذا يباين ما أخفته قلوبهم المريضة، من كفر ونفاق وعداوة لك وللحق الذي جئت به.

والإيمان الحق لا يتم إلا إذا كان ما ينطق به اللسان، يوافق ويواطئ. ما أضمره القلب، وهؤلاء قد قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فثبت كذبهم في قولهم: نشهد إنك لرسول الله..

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى: فائدة في قوله- تعالى-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ؟ قلت: لو قال: قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، لكان يوهم أن قولهم هذا كذب، فوسط بينهما قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ليميط هذا الإيهام.. «٢» .

وجيء بالفعل يَشْهَدُ في الإخبار عن كذبهم فيما قالوه، للمشاكلة، حتى يكون إبطال خبرهم مساويا لإخبارهم ولما نطقوا به.


(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٢٣٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>