للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الكشاف: خصّ النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء، وعمّ بالخطاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إمام أمته وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان: افعلوا كيت وكيت، وإظهارا لتقدمه، واعتبارا لترؤسه، وأنه مدرة قومه ولسانهم- والمدرة: القرية.

أى: أنه بمنزلة القرية لقومه، وأنه الذي يصدرون عن رأيه، ولا يستبدون بأمر دونه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وساد مسد جميعهم «١» .

وهذا التفسير الذي اقتصر عليه صاحب الكشاف، هو المعول عليه، وهو الذي يناسب بلاغة القرآن وفصاحته، ويناسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: الخطاب له ولأمته: والتقدير: يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم، فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه.

وقيل: هو خطاب لأمته فقط، بعد ندائه- عليه السلام- وهو من تلوين الخطاب، خاطب أمته بعد أن خاطبه.

وقيل: إن الكلام على إضمار قول، أى: يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم «٢» .

والحق أن الذي يتدبر القرآن الكريم، يرى أن الخطاب والأحكام المترتبة عليه، تارة تكون خاصة به صلى الله عليه وسلم كما في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

وتارة يكون شاملا له صلى الله عليه وسلم ولأمته كما في هذه الآية التي معنا، وكما في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.

وتارة يكون صلى الله عليه وسلم خارجا عنه كما في قوله- تعالى-: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ، وَلا تَنْهَرْهُما، وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً «٣» .

فصيغة الخطاب هنا وإن كانت موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه ليس داخلا فيها، لأن والديه لم يكونا موجودين عند نزول هاتين الآيتين.

والمراد بقوله: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ أى: إذا أردتم تطليقهن، لأن طلاق المطلقة من باب تحصيل الحاصل.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٥٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٥٥.
(٣) سورة الإسراء: ٢٣، ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>