للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالقرية: أهلها، على سبيل المجاز المرسل، من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كقوله- تعالى-: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها.

والقرينة على أن المراد بالقرية أهلها، قوله- تعالى- بعد ذلك: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً....

والمراد بالمحاسبة في قوله فَحاسَبْناها ... المجازاة والمعاقبة الدنيوية على أعمالهم، بدليل قوله- تعالى- عن العذاب الأخروى بعد ذلك أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً....

ويجوز أن يراد بالمحاسبة هنا: العذاب الأخروى، وجيء بلفظ الماضي على سبيل التأكيد وتحقق الوقوع، كما في قوله- تعالى-: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ....

ويكون قوله- سبحانه-: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ... تكريرا للوعيد.

والمعنى: وكثير من أهل القرى الماضية، خرجوا عن طاعة ربهم، وعصوا رسله، فكانت نتيجة ذلك أن سجلنا عليهم أفعالهم تسجيلا دقيقا، وجازيناهم عليها جزاء عادلا، بأن عذبناهم عذابا فظيعا. وعاقبناهم عقابا نكرا..

والشيء النكر بضمتين وبضم فسكون- ما ينكره العقل من شدة كيفية حدوثه إنكارا عظيما.

والفاء في قوله- تعالى-: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ... للتفريع على ما تقدم.

والوبال: الثقل، ومنه الطعام الوبيل، أى: الوخيم الثقيل على المعدة فيكون سببا في فسادها ومرضها. والذوق: الإحساس بالشيء إحساسا واضحا..

أى: فترتب على هذا الحساب والعقاب، أن ذاق أهل تلك القرى سوء عاقبة بغيهم وجحودهم لنعم الله..

وكان عاقبة أمرها خسرا أى: وكانت نهايتهم نهاية خاسرة خسارة عظيمة، كما يخسر التاجر صفقته التجارية التي عليها قوام حياته.

ثم بين- سبحانه- ما أعده لهم في الآخرة من عذاب، بعد بيان ما حل بهم في الدنيا فقال: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً....

أى: أن ما أصابهم في الدنيا بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، ليس نهاية المطاف، بل هيأ الله- تعالى- لهم عذابا أشد من ذلك وأبقى في الآخرة..

وما دام الأمر كذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ، الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً....

<<  <  ج: ص:  >  >>