للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- تعالى-: قُوا أمر من الوقاية، يقال: وقى يقي، كضرب يضرب.

والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، أبعدوا أنفسكم عن النار عن طريق فعل الحسنات. واجتناب السيئات، وأبعدوا أهليكم- أيضا- عنها، عن طريق نصحهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف. ونهيهم عن المنكر.

قال القرطبي، قال قتادة ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم.

ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نحل والد ولدا، أفضل من أدب حسن» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» .

وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: قومي فأوترى يا عائشة.

وذكر القشيري أن عمر- رضى الله عنه- لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله: نقى أنفسنا فكيف بأهلينا؟

فقال: «تنهونهم عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهم بما أمركم الله به» «١» .

وجاء لفظ النار منكرا، للتهويل. أى: نارا عظيمة لا يعلم مقدار حرها إلا الله- تعالى-.

وقوله: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أى: هذه النار لا توقد كما يوقد غيرها بالحطب وما يشبهها، وإنما مادة اشتعالها تتكون من الناس الذين كانوا في الدنيا يشركون مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، ومن الحجارة التي كانت تعبد من دونه- تعالى-.

ثم أضاف- سبحانه- إلى تهويلها أمرا آخر وصفة أخرى فقال: عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.

والغلاظ: جمع غليظ وهو المتصف بالضخامة والغلظة التي هي ضد الرقة.

وهذا اللفظ صفة مشبهة، وفعله غلظ ككرم.


(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>