للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر بعض السلف: أن أصحاب الجنة هؤلاء كانوا من أهل اليمن كانوا من قرية يقال لها: «ضروان» على ستة أميال من صنعاء.. وكان أبوهم قد ترك لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليه، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل.

فلما مات وورثه أولاده، قالوا: لقد كان أبونا أحمق، إذ كان يصرف من هذه الجنة شيئا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك لنا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فقد أذهب الله ما بأيديهم بالكلية: أذهب رأس المال، والربح.. فلم يبق لهم شيء.. «١» .

وقوله- سبحانه-: بَلَوْناهُمْ أى: اختبرناهم وامتحناهم، مأخوذ من البلوى، التي تطلق على الاختبار، والابتلاء قد يكون بالخير وقد يكون بالشر، كما قال- تعالى-:

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً.. وكما في قوله- سبحانه-:

وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

والمراد بالابتلاء هنا: الابتلاء بالشر بعد جحودهم لنعمة الخير.

أى: إنا امتحنا مشركي قريش بالقحط والجوع. حتى أكلوا الجيف، بسبب كفرهم بنعمنا، وتكذيبهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما ابتلينا من قبلهم أصحاب الجنة، بأن دمرناها تدميرا، بسبب بخلهم وامتناعهم عن أداء حقوق الله منها..

ويبدو أن قصة أصحاب الجنة، كانت معروفة لأهل مكة، ولذا ضرب الله- تعالى- المثل بها. حتى يعتبروا ويتعظوا..

ووجه المشابهة بين حال أهل مكة، وحال أصحاب الجنة.. يتمثل في أن كلا الطرفين قد منحه الله- تعالى- نعمة عظيمة، ولكنه قابلها بالجحود وعدم الشكر.

وإِذْ في قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ.. تعليلية.

والضمير في أَقْسَمُوا يعود لمعظمهم، لأن الآيات الآتية بعد ذلك، تدل على أن أوسطهم قد نهاهم عما اعتزموه من حرمان المساكين، ومن مخالفة ما يأمرهم شرع الله- تعالى- به..

قال- تعالى-: قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ....

وقوله: لَيَصْرِمُنَّها من الصرم وهو القطع. يقال: صرم فلان زرعه- من باب ضرب- إذا جزّه وقطعه، ومنه قولهم: انصرم حبل المودة بين فلان وفلان، إذا انقطع.


(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>