للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- تعالى-: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ... استئناف قصد به الترهيب من تعاطى الربا، بعد الترغيب في بذل الصدقة لمستحقيها.

ولم يعطف على ما قبله لما بينهما من تضاد، لأن الصدقة- كما يقول الفخر الرازي- عبارة عن تنقيص المال- في الظاهر- بسبب أمر الله بذلك، والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهى الله عنه فكانا متضادين.

والأكل في الحقيقة. ابتلاع الطعام، ثم أطلق على الانتفاع بالشيء وأخذه بحرص وهو المراد هنا. وعبر عن التعامل بالربا بالأكل، لأن معظم مكاسب الناس تنفق في الأكل.

والربا في اللغة: الزيادة مطلقا، يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد ونما، ومنه قوله- تعالى-:

وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ... أى: زادت.

وهو في الشرع: - كما قال الآلوسى- عبارة عن فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال.

وقوله: يَتَخَبَّطُهُ: من التخبط بمعنى الخبط وهو الضرب على غير استواء واتساق. يقال:

خبطته أخبطه خبطا أى ضربته ضربا متواليا على أنحاء مختلفة. ويقال: تخبط البعير الأرض إذا ضربها بقوائمه ويقال للذي يتصرف في أمر ولا يهتدى فيه يخبط خبط عشواء. قال زهير بن أبى سلمى في معلقته:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطى يعمر فيهرم

والمس: الخبل والجنون يقال: مس الرجل فهو ممسوس إذا أصابه الجنون. وأصل المس اللمس باليد، ثم استعير للجنون، لأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه.

والمعنى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أى يتعاملون به أخذا وإعطاء لا يَقُومُونَ يوم القيامة للقاء الله إلا قياما كقيام المتخبط المصروع المجنون حال صرعه وجنونه، وتخبط الشيطان له، وذلك لأنه يقوم قياما منكرا مفزعا بسبب أخذه الربا الذي حرم الله أخذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>