للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان، وقد علمت أنه قد رآه. وتقول: هل وعظتك وهل أعطيتك، ومقصودك أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته.

والدليل على أن «هل» هنا ليست للاستفهام الحقيقي.. أنه محال على الله- تعالى- فلا بد من حمله على الخبر «١» .

وجاءت الآية الكريمة بأسلوب الاستفهام، لما فيه من التشويق إلى معرفة ما سيأتى بعده من كلام.

وجملة لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً في موضع نصب على الحال من الإنسان، والعائد محذوف. أى: حالة كون هذا الإنسان، لم يكن في ذلك الحين من الدهر، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه. وإنما كان نسيا منسيا، لا يعلم بوجوده أحد سوى خالقه- عز وجل-.

ثم فصل- سبحانه- بعد هذا التشويق، أطوار خلق الإنسان فقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ والمراد بالإنسان هنا- أيضا- جنسه وجميع أفراده.

و «أمشاج» بمعنى أخلاط من عناصر شتى، مشتق من المشج بمعنى الخلط، يقال: مشج فلان بين كذا وكذا- من باب ضرب- إذا خلط ومزج بينهما، وهو جمع مشج- كسبب، أو مشج- ككتف، أو مشيج- كنصير.

قال الجمل: «أمشاج» نعت لنطفة. ووقع الجمع صفة لمفرد، لأنه في معنى الجمع، أو جعل كل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصف بالجمع.. «٢» .

ويرى صاحب الكشاف ان لفظ «أمشاج» مفرد جاء على صيغة أفعال، كلفظ أعشار في قولهم: برمة أعشار، أى: برمة متكسرة قطعا قطعا، وعليه يكون المفرد قد نعت بلفظ مفرد مثله. فقد قال- رحمه الله-: «من نطفة أمشاج» كبرمة أعشار.. وهي ألفاظ مفردة غير جموع.

ولذلك وقعت صفات للأفراد، والمعنى: من نطفة قد امتزج فيها الماءان.. «٣» .

وجملة «نبتليه» حال من الإنسان. أو من فاعل «خلقنا» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٢٧١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٥٢. [.....]
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>