للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأجل في اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد، وأجل الإنسان هو الوقت المحدد لانقضاء عمره. وأجل الدين هو الوقت المعين لأدائه في المستقبل. وأصله من التأخير، يقال:

أجل الشيء يأجل إذا تأخر والآجل نقيض العاجل.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا عامل بعضكم بعضا بالدين إلى وقت معين فاكتبوا هذا الدين، لأن في هذه الكتابة حفظا له، وضبطا لمقداره، ومنعا للتنازع من أن يقع بينكم.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: إذا تداينتم إلى أجل مسمى، وأى حاجة إلى ذكر الدين؟ قلت: ذكر- لفظ الدين- ليرجع الضمير إليه في قوله: فَاكْتُبُوهُ إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال: فاكتبوا الدين، فلم يكن النظم بذلك الحسن، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال. فإن قلت: ما فائدة قوله: مُسَمًّى قلت: ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام. ولو قال: إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية» «١» .

وجمهور العلماء على أن الأمر في قوله «فاكتبوه» للندب، ولأن الله- تعالى- قد قال بعد ذلك فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يلزم الدائنين بكتابة ديونهم، ولا المدينين بأن يكتبوها.

وقال الظاهرية: إن الأمر هنا للوجوب، ومن لم يفعل ذلك كان آثما، لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب..

وقوله: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين من يتولاها عقب الأمر بها على سبيل الإجمال.

أى: عليكم أيها المؤمنون إذا تعاملتم بالدين إلى أجل معين أن تكتبوا هذا الدين، وليتول الكتابة بينكم شخص يجيدها وعنده فقهها وعلمها، بأن يكون على معرفة بشروط العقود وتوثيقها، وما يكون من الشروط موافقا لشريعة الإسلام وما يكون منها غير موافق، وعلى هذا الكاتب أن يلتزم الحق مع الدائن والمدين في كتابته، لأن الله- تعالى- يقول: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى. فالجملة الكريمة تحض المتعاملين بالدين أن يختاروا لكتابته شخصا تتوفر فيه إجادة الكتابة، والخبرة بشروط العقود وتوثيقها، كما تتوفر فيه الاستقامة وتحرى الحق. ومفعول يَكْتُبَ محذوف ثقة بانفهامه أى وليكتب بينكم الكتابة كاتب بالعدل. والتقييد بالظرف بينكم للإيذان بأنه ينبغي للكاتب ألا يسمح لنفسه بأن ينفرد به أحد المتعاقدين، لأن في هذا الانفراد تهمة يجب أن يربأ بنفسه عنها.


(١) تفسير الكشاف ج ١ صفحة ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>