للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أخلقكم- أيها الجاهلون- بعد موتكم، وإعادتكم إلى الحياة بعد هلاككم، أشد وأصعب في تقديركم، أم خلق السماء التي ترون بأعينكم عظمتها وضخامتها، والتي أوجدها- سبحانه وبناها بقدرته.

فالمقصود من الآية الكريمة لفت أنظارهم إلى أمر معلوم عندهم بالمشاهدة، وهو أن خلق السماء أعظم وأبلغ من خلقهم، ومن كان قادرا على الأبلغ والأعظم كان على ما هو أقل منه- وهو خلقهم وإعادتهم بعد موتهم- أقدر.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ....

ثم بين- سبحانه- جانبا من بديع قدرته في خلق السماء فقال: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها.

والسّمك- بفتح السين- المشددة وسكون الميم-: الرفع في الفضاء، وجعل الشيء عاليا عن غيره.

تقول: سمكت الشيء، إذا رفعته في الهواء، وبناء مسموك، أى: مرتفع، ومنه قول الشاعر:

إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول

أى: أن الله- تعالى- بقدرته، جعل مقدار ارتفاع السماء عن الأرض عظيما، وبجانب ذلك سوى بحكمته هذه السماء، بأن جعلها خالية من الشقوق والثقوب ... كما قال- سبحانه-: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ....

وجملة «وأغطش ليلها....» معطوفة على «بناها» ، والإغطاش: الإظلام الشديد.

يقال: غطش الليل- من باب ضرب- إذا اشتد ظلامه.

أى: وجعل- بقدرته- ليل هذه السماء مظلما غاية الإظلام: بسبب مغيب شمسها.

وَأَخْرَجَ ضُحاها أى: وأبرز وأضاء نهارها، إذ الضحى في الأصل: انتشار الشمس، وامتداد النهار. ثم سمى به هذا الوقت، لبروز ضوء الشمس فيه أكثر من غيره، فهو من باب تسمية الشيء باسم أشرف أجزائه وأطيبها.

وأضاف- سبحانه- الليل والضحى إلى السماء لأنهما يحدثان بسبب غروب شمسها وطلوعها.

ثم انتقلت الآيات الكريمة من الاستدلال على قدرته- تعالى- عن طريق خلق السماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>