للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوه قوله- تعالى-: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ «١» .

أى: إذا الشمس أزيل ضوؤها بعد انتشاره وانبساطه، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة، ومستتره بعد أن كانت بارزة.

وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أى: تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور، إلى الميل نحو الظلام والسواد.

أى: وإذا النجوم تساقطت وانقضت. يقال: انكدر البازي، إذا نزل على فريسته بسرعة، وانكدر الأعداء على القوم إذا جاءوا أرسالا متتابعين فانصبوا عليهم.

ويصح أن يكون المعنى: وإذا النجوم تغيرت وانطمس نورها، وزال لمعانها، من قولهم:

كدرت الماء فانكدر، إذا خلط به ما يجعله مائلا إلى السواد والغبرة.

وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ أى: اقتلعت من أماكنها فسارت في الفضاء بقدرة الله- تعالى-. قال- تعالى- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. وقال- سبحانه-: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً.

وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ والعشار: جمع عشراء كنفساء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر. وتسمى بهذا الاسم إلى أن تضع لتمام السنة. والنوق العشار كانت من أثمن الأموال عند العرب، وكانوا يحافظون عليها حتى في أشد حالات الخوف.

ومعنى «عطلت» : أهملت وتركت بدون راع يحميها، أو يلتفت إليها، وهذا تصوير بديع لما يصيب الناس من أهوال، تجعلهم لا يلتفتون إلى أعز أموالهم لديهم.

أى: وإذا النوق العشار- التي هي أغلى الأموال- عطلت، أى تركت دون أن يلتفت إليها أحد. لانشغال كل إنسان بنفسه.

وقيل: المراد بالعشار: السحب المحملة بالأمطار. أى: وإذا السحب الحاملة للأمطار قد عطلت عن نزول المطر منها، وصارت خالية من الماء الذي يحيى الأرض بعد موتها.

قال القرطبي ما ملخصه: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ أى: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، الواحدة عشراء.. وإنما خصت بالذكر، لأنها أعز ما تكون عند العرب.. وهذا على وجه المثل. لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، ولكن أراد به المثل، أن هول يوم القيامة، بحال ما لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>