للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود بهذه الرؤية: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل- عليه السلام- لأول مرة، على الهيئة التي خلقه الله عليها، عند ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء، وكان صلى الله عليه وسلم قد سأل جبريل أن يريه نفسه، على الهيئة التي خلقه الله- تعالى- عليها.

والأفق: هو الفضاء الواسع الذي يبدو للعين ما بين السماء والأرض.

والمبين: وصف للأفق، أى: بالأفق الواضح البين، الذي لا تشتبه معه المرئيات.

والمعنى: وو الله لقد رأى صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل، بصورته التي خلقه الله عليها، بالأفق الواضح البين، الذي لا تلتبس فيه المرئيات، ولا مجال فيه للأوهام والتخيلات.

والمقصود من الآية الكريمة الرد على المشركين الذين كانوا إذا أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رأى جبريل. كذبوه واستهزءوا به، وتأكيد أن هذه الرؤية كانت حقيقة واقعة، لا مجال معها للتشكيك أو اللبس.

قال الإمام ابن كثير: وقوله- تعالى- وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يعنى: ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله- عز وجل- وعلى الصورة التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أى: البين، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء- أى بالمكان المجاور لغار حراء. وهي المذكورة في قوله- تعالى-: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى.. «١» .

والضمير في قوله- تعالى-: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم المعبر عنه قبل ذلك بِصاحِبِكُمْ.

والغيب: ما غاب عن مدارك الناس وحواسهم، لأن الله- تعالى- قد استأثر بعلمه.

والضنين: هو البخيل بالشيء، مأخوذ من الضن- بالكسر والفتح- بمعنى البخل.

قال الآلوسى: «وما هو» أى: رسول الله صلى الله عليه وسلم «على الغيب» أى: على ما يخبر به من الوحى إليه وغيره من الغيوب «بضنين» من الضن- بكسر الضاد وفتحها- بمعنى البخل، أى: ببخيل، أى: لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التعليم والتبليغ، ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم، على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون غيرهم على ما يزعمون معرفته إلا بإعطائهم حلوانا.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٦١، وراجع تفسيرنا لهذه الآيات في سورة النجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>