للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. ومعنى الرهن: أن يوضع شيء يناسب قيمة الدين من متاع المدين بيد الدائن توثقة له في دينه، ليستطيع أن يستوفى حقه من هذا الشيء المرهون عند تعذر الدفع.

والمعنى: وإن كنتم. أيها المؤمنون- مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأى سبب من الأسباب، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة يقبضها صاحب الدين ضمانا لحقه عند تعذر أخذه من الغريم.

وفي التعبير بقوله: عَلى سَفَرٍ استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار.

وجملة وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً معطوفة على فعل الشرط، أى: وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا، كاتبا فتكون في محل جزم تقديرا. ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها في محل نصب على الحال.

وقوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: فالذي يستوثق به رهان مقبوضة.

أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: فعليكم رهان مقبوضة.

ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة: أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطا في صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار. وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفى ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله» «١» .

ومن الواضح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ما رهن درعه لليهودي كان مقيما ولم يكن مسافرا.

قال القرطبي: ولم يرو عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية، ولا حجة فيها لهم، لأن هذا الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره» «٢» .

كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ أن الرهن لا يتم إلا بالقبض، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٣٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ٣ ص ٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>