للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزه ربك الأعلى، عن الشريك، وعن الوالد، وعن الولد، وعن الشبيه.. وعن كل ما لا يليق به.

قال الجمل: أى: نزه ربك عن كل ما لا يليق به، في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وأفعاله، وأحكامه. أما في ذاته: فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض. وأما في صفاته: فأن تعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة. وأما في أفعاله: فأن تعتقد أنه- سبحانه- مطلق لا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور. وأما في أسمائه: فأن لا تذكره- سبحانه- إلا بالأسماء التي لا توهم نقصا بوجه من الوجوه.. وأما في أحكامه: فأن تعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود عليه، بل لمحض المالكية.. «١» .

أخرج الإمام أحمد عن عامر بن عقبة الجهني قال: لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «اجعلوها في سجودكم» .

ثم وصف- سبحانه- ذاته بعد وصفه بالأعلى بصفات كريمة أخرى فقال: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. والخلق: هو الإيجاد للشيء على غير مثال سابق، والتسوية: هي جعل المخلوقات على الحالة والهيئة التي تناسبها، وتتلاءم مع طبيعتها.

أى: الذي خلق الخلائق كلها، وجعلها متساوية في الأحكام والإتقان حسبما اقتضته حكمته. ومنح كل مخلوق ما يناسب طبيعته ووظيفته.

قال صاحب الكشاف: قوله: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى أى: خلق كل شيء فسوى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه صنعة حكيم.. «٢» .

وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى والتقدير: وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، بمقدار معين، وبكيفية معينة.. تقتضيها الحكمة، ويقرها العقل السليم.

وقوله: فَهَدَى من الهداية. بمعنى الإرشاد والدلالة على طريق الخير والبر. أى:

وهو- سبحانه- الذي جعل الأشياء على مقادير مخصوصة في أجناسها، وفي أنواعها، وفي أفرادها. وفي صفاتها وأفعالها.. وهدى كل مخلوق إلى ما ينبغي له طبعا واختيارا، ووجهه إلى


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٢٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>