للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غطاه، والمقصود بالغاشية يوم القيامة، ووصف يوم القيامة بذلك، لأنه يغشى الناس بأهواله وشدائده، ويغطى عقولهم عن التفكير في أى شيء سواه.

والمعنى: هل بلغك- أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب- حديث يوم القيامة، الذي يغشى الناس بأحواله المفزعة، ويعمهم بشدائده.. إن كان لم يأتك فهذا خبره، وتلك هي أقسام الناس فيه.

وافتتاح السورة بهذا الافتتاح- بجانب ما فيه من تشويق- يدل على أهمية هذا الخبر، وأنه من الأخبار التي ينبغي الاستعداد لما اشتملت عليه من معاني لا يصح التغافل عنها.

ثم فصل- سبحانه- أحوال الناس في هذا اليوم فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ.

قال الشوكانى: الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ما هو؟ أو مستأنفة استئنافا نحويا، لبيان ما تضمنته من كون ثمّ وجوه في ذلك اليوم متصفة بهذه الصفة المذكورة، و «وجوه» مرتفع على الابتداء- وإن كانت نكرة- لوقوعه في مقام التفصيل..

والتنوين في «يومئذ» عوض عن المضاف إليه. أى: يوم غشيان الغاشية.

والخاشعة: الذليلة الخاضعة، وكل متضائل ساكن يقال له خاشع.. «١» .

والمراد بالوجوه: أصحابها، من باب التعبير عن الكل بالبعض، وخصت الوجوه بالذكر، لأنها أشرف أعضاء الإنسان، ولأنها هي التي تظهر عليها الآثار المختلفة من حزن أو فرح. أى: وجوه في يوم قيام الساعة، تكون خاشعة ذليلة، تبدو عليها آثار الهوان والانتكاس والخزي، كما قال- تعالى-: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ...

وهذه الوجوه- أيضا- من صفاتها أنها عامِلَةٌ ناصِبَةٌ أى: مكلفة بالعمل الشاق المرهق الذي تنصب له الوجوه في هذا اليوم، وتتعب تعبا ما عليه من مزيد، كجر السلاسل، وحمل الأغلال، والخوض في النار.

فقوله: عامِلَةٌ اسم فاعل من العمل، والمراد به هنا: العمل الشاق المهين.

وقوله: ناصِبَةٌ من النّصب، بمعنى: التعب والإعياء يقال: نصب فلان بكسر الصاد- كفرح- ينصب نصبا، إذا تعب في عمله تعبا شديدا.

وفي هذه الصفات زيادة توبيخ لأهل النار، لأنهم لما تركوا في الدنيا الخشوع لله- تعالى-


(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٤٢٨ للشوكانى.

<<  <  ج: ص:  >  >>