للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: إن سكان الجنة كلما رزقوا في الجنة ثمرة من ثمراتها، وجدوها مثل الذي رزقوه فيها من قبل، في بلوغه الغاية من حسن المنظر ولذة الطعم.

وفي هذا إشارة إلى أن ثمار الجنة متماثلة في حسن منظرها، ولذة طعمها بحيث لا تفضل ثمرة في ذلك على أخرى، فجميع ثمرها يسر له القلب، ويستحليه الذوق، وإن اختلفت المناظر والطعوم.

ثم قال- تعالى- وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً أى: يشبه بعضه بعضا في الصورة والرائحة، ويختلف في اللذة والطعم، أو في المزية والحسن، وعن ابن عباس: «ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامى» وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها في معنى أن كل ثمر يشابه ما قبله في حسن المنظر ولذة الطعم مشابهة لا يفضل فيها ثمر على آخر بخلاف ثمر الدنيا، فإنه يتفاوت في مناظره حسنا، وفي طعومه لذة.

ويرى بعض العلماء حمل قوله- تعالى-: قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ على تقدير: من قبل دخول الجنة، أى هذا الذي رزقناه في الدنيا، وإلى هذا الرأى مال صاحب الكشاف فقد قال: «فإن قلت: كيف قيل. «هذا الذي رزقنا من قبل؟ وكيف تكون ذات الحاضر عندهم في الجنة هي ذات الذي رزقوه في الدنيا؟ قلت: معناه هذا مثل الذي رزقناه من قبل وشبهه، بدليل قوله: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: وَأُتُوا بِهِ؟ قلت:

إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا، لأن قوله: «هذا الذي رزقنا من قبل» انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. فإن قلت: لأى غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة؟ قلت: لأن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عن طبعه، وعافته نفسه «١» » .

ثم قال- تعالى-: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ.

الأزواج: جمع زوج وهي المرأة يختص بها الرجل، والضمير في «فيها» يعود إلى الجنات.

والمعنى: أن لهؤلاء المؤمنين نساء مختصات بهم، مطهرات غاية التطهير من كل دنس وقذر، حسى ومعنوي، لا كنساء الدنيا، وهم في هذه الجنات باقون على الدوام، لأن النعيم إنما يتم باطمئنان صاحبه على أنه دائم، أما إذا كان محتملا للزوال فإن صاحبه يبقى منغص البال، إذ سيتذكر أنه سيفقده في يوم من الأيام، فجملة «وهم فيها خالدون» جيء بها على سبيل الاحتراس من وهم الانقطاع.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>