للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان» قال عبد الله. ثم قرأ علينا رسول الله مصداقه من كتاب الله، إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ إلخ.

وفي رواية قال: «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله- تعالى- تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ. قال عبد الله:

فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا: كذا وكذا. فقال: صدق. في نزلت، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: شاهداك أو يمينه؟ قلت: إنه إذا يحلف ولا يبالى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان» ، ونزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ «١» .

وروى البخاري عن عبد الله بن أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ «٢» .

وقال الفخر الرازي: قال عكرمة إنها نزلت في أحبار اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا بأنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا» «٣» .

هذه ثلاث روايات في سبب نزول تلك الآية الكريمة، وأرجحها رواية الشيخين، ولذا وجب الأخذ بها إلا أن نزول الآية في قصة معينة لا يمنع شمول حكمها لكل ما يشبه هذه القصة أو الحادثة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- كما يرى جمهور العلماء-.

فكل من حلف بالله كاذبا، واشترى بعهده- سبحانه- ثمنا قليلا حقت عليه العقوبة التي بينتها الآية الكريمة. ويدخل تحت هذه العقوبة دخولا أوليا أولئك اليهود الذين خانوا عهد الله بإنكارهم لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مع أنهم يعرفون صدقه معرفة جليلة.

والمراد بقوله يَشْتَرُونَ أى يستبدلون، وذلك لأن المشترى يأخذ شيئا ويعطى شيئا. فكل واحد من المعطى والمأخوذ ثمن للآخر.

والمراد بِعَهْدِ اللَّهِ كل ما يجب الوفاء به، فيدخل فيه ما أوجبه الله- تعالى- على عباده من فرائض وتكاليف، ومن إيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، كما يدخل فيه- أيضا- ما أوجبه الله على أهل الكتاب من الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي يجدون نعته في كتبهم، ويعرفون


(١) أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب «إن الذين يشترون» ج ٦ ص ٤٢ وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب «إن الذين يشترون» ج ٦ ص ٤٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>