للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمِيتُكُمْ

بقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يبعثكم بعد الموت ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

أى تصيرون إليه دون سواه، فيجمعكم في المحشر ويتولى حسابكم، والحكم في أمركم بمقتضى عدله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

أما الإماتة فهم يشاهدونها بأعينهم بين الحين والحين، وأما البعث فقد أخبر الله عنه بما يدل على صحته وينفى استبعاده، أو استحالته، بأدلة عقلية ونقلية كثيرة، أما الأدلة العقلية، فمنها: أن الذي قدر على إحيائهم من العدم، قادر على إحيائهم وإعادتهم بعد موتهم فإن الإعادة أهون من البدء دائما، وأما الأدلة النقلية، فمنها قوله- تعالى-:

ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.

وفي قوله- تعالى- ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ترهيب لمن ينزع إلى الشر، ويرتكب المعاصي من غير مبالاة، وترغيب لمن يقبل على فعل الخير، ويقدم على الطاعات.

قال الجمل: «والفاء في قوله فَأَحْياكُمْ على بابها من التعقيب، وثم على بابها من التراخي، لأن المراد بالموت الأول، العدم السابق، وبالحياة الأولى الخلق، وبالموت الثاني الموت المعهود، وبالحياة الثانية الحياة للبعث فجاءت الفاء وثم على بابيهما من التعقيب والتراخي، على هذا التفسير وهو أحسن الأقوال، ويعزى لابن عباس وابن مسعود ومجاهد، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن البعث» «١» .

وبعد أن ذكر- سبحانه- ما يشهد بقدرته ووحدانيته عن طريق الأدلة المتعلقة بذوات المكلفين، أردف ذلك بالكلام عن الأدلة الكونية فقال تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.

أى: أنه خلق جميع ما في الأرض من نحو الحيوان والنبات والمعادن والجبال من أجلكم، فهو المنعم عليكم لتنتفعوا بها في دنياكم، وتستعينوا بها على طاعته.

وقد أخذ العلماء من هذه الآية شاهدا على أن الأشياء التي فيها منافع مأذون فيها حتى يقوم دليل على حرمتها.

ثم استدل- سبحانه- على مظاهر قدرته بخلق السموات فقال:

ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>