للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن الرأى الأول الذي يقول إن كُنْتُمْ هنا من كان التامة هو أقرب الأقوال إلى الصواب «ويليه الرأى الثاني الذي يرى أصحابه أن «كنتم» هنا من «كان» الناقصة إلا أنها هنا تدل على تحقق شيء بصفة في الزمان الماضي من غير دلالة على عدم سابق أو لا حق.

والخطاب في هذه الآية الكريمة بقوله- تعالى- كُنْتُمْ للمؤمنين الذين عاصروا النبي صلّى الله عليه وسلّم ولمن أتى بعدهم واتبع تعاليم الإسلام إلى يوم الدين.

ولذا قال ابن كثير: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة. كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم الذين يلونهم، كما قال- سبحانه- في الآية الأخرى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

وقد وردت أحاديث متعددة في فضل هذه الأمة الإسلامية، منها: ما جاء في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي وابن ماجة من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله- تعالى-» «١» .

والمعنى: وجدتم يا معشر المسلمين العاملين بتعاليم الإسلام وآدابه وسنته وشريعته خير أمة أخرجت وأظهرت للناس، من أجل إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، ونشر الإصلاح والنفع في الأرض.

وقوله خَيْرَ أُمَّةٍ خبر كنتم على أنها من كان الناقصة.

وجملة أُخْرِجَتْ صفة لأمة، وقوله لِلنَّاسِ متعلق بأخرجت، وحذف الفاعلي من أُخْرِجَتْ للعلم به أى: خرجها الله- تعالى- لنفع الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم.

فالجملة الكريمة تنوه بشأن الأمة الإسلامية وتعلى من قدرها، فهل تعى الأمة الإسلامية هذا التنويه من شأنها وذلك الإعلاء من قدرها فتقوم بدورها الذي اختاره الله لها، وهو نشر كلمة التوحيد في الأرض وإحقاق الحق وإبطال الباطل شكرا الله- تعالى- على جعله إياها خير أمة أخرجت للناس؟؟.

إن واقع المسلمين المليء بالضعف والهوان، والفسوق والعصيان يدمى قلوب المؤمنين الصادقين، ويحملهم على أن يبلغوا رسالات الله دون أن يخشوا أحدا سواه حتى تكون كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>