للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمدا. وإنما قد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشجه في رأسه. فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، فحصل ضعف ووهن وتأخر- بين المسلمين- عن القتال. ففي ذلك أنزل الله تعالى- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية «١» .

وقوله- تعالى- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ تقرير لحقيقة ثابتة، ولأمر مؤكد، وهو أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم واحد من البشر، وأنه سيموت كما يموت جميع البشر، وأنه ليس له صفة تميزه عن سائر البشر سوى الرسالة التي وهبها الله- تعالى- له، ومنحه إياها، وأن هذه الرسالة لا تقتضي بقاءه أو خلوده، إذ الرسل الذين سبقوه قد أدوا رسالتهم في الحياة كما أمرهم خالقهم ثم ماتوا أو قتلوا.

ومادام الأمر كذلك فمحمد صلّى الله عليه وسلّم سيموت وينتقل إلى الرفيق الأعلى كما مات الذين سبقوه من الأنبياء، وكما سيموت جميع البشر.

والقصر في قوله- تعالى-: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ من باب قصر الموصوف على الصفة، أى قصر محمد صلّى الله عليه وسلّم على وصف الرسالة قصرا إضافيا.

وفي هذا القصر رد على ما صدر من بعض المسلمين من اضطراب وضعف حين أرجف المنافقون في غزوة أحد بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قتل.

فكأنه- تعالى- يقول لهم: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول من الرسل الذين أرسلهم الله لإخراج


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>