للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحسبان: لظن، والنهى بلا هنا منصب على هذا الظن، أى أنهاكم عن أن تظنوا أنهم أموات، ونون التوكيد في قوله «ولا تحسبن» لتأكيد هذا النهى.

أى: لا تحسبن أيها الرسول الكريم، أو أيها المؤمن أن الذين قتلوا في سبيل الله، من أجل إعلان كلمته، لا تحسبنهم أمواتا لا يحسون شيئا ولا يلتذون ولا يتنعمون، بل هم أحياء عند ربهم، يرزقون رزق الأحياء، ويتنعمون بألوان النعم التي أسبغها الله عليهم، جزاء إخلاصهم وجهادهم وبذلهم أنفسهم في سبيل الله.

وقوله الَّذِينَ مفعول أول لقوله: تَحْسَبَنَّ وقوله أَمْواتاً مفعوله الثاني وقوله أَحْياءٌ خبر لمبتدأ محذوف أى بل هم أحياء.

وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ يصح أن يكون خبرا ثانيا للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو ظرفا له لأن المعنى: يحيون عند ربهم.

والمراد بالعندية هنا المجاز عن القرب والإكرام والتشريف، أى هم أحياء مقربون عنده، قد خصهم بالمنازل الرفيعة، والدرجات العالية، وليس المراد بها القرب المكاني لاستحالة ذلك في حق الله- تعالى-.

وقوله يُرْزَقُونَ صفة لقوله أَحْياءٌ وحال من الضمير فيه أى يحيون مرزوقين.

هذا وقد وردت أحاديث متعددة تصرح بأن هذه الآيات الكريمة قد نزلت في شهداء أحد، ويدخل في حكمهم كل شهيد في سبيل الله، ومن هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش.

فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب. فقال الله- تعالى-: «أنا أبلغهم عنكم. قال: فأنزل الله هؤلاء الآيات وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ... إلخ الآيات.

وأخرج الترمذي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا جابر مالي أراك منكسا مهتما» ؟ قلت يا رسول الله استشهد أبى- في أحد- وترك عيالا وعليه دين.

فقال: ألا أبشرك بما لقى الله- عز وجل- به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا- أى مواجهة ليس بينهما حجاب- وما كلم أحدا قط إلا من وراء حجاب، فقال له يا عبدى تمن أعطك. قال يا رب فردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>