للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال خويزمنداذ: فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْوَالِدِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوْلَادُكُمْ مِنْ طِيبِ أَكْسَابِكُمْ فَكُلُوا مَنْ مال أولادكم هنيأ»

انْتَهَى.

وَرَوَتْ عَائِشَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ»

. وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يَعْنِي مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَخْرَجْنَا لَكُمْ، امْتِنَانٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْإِحْسَانِ التَّامِّ كَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «١» وَالْمُرَادُ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا أَخْرَجْنَا، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ حَرْفَ الْجَرِّ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، أَوْ إِشْعَارًا بِتَقْدِيرِ عَامِلٍ آخَرَ، حَتَّى يَكُونَ الْأَمْرُ مَرَّتَيْنِ.

وَفِي قَوْلِهِ: وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، إِذْ قُلْنَا إِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِمَّا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ تُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ هَذَا مُؤَكِّدٌ لِلْأَمْرِ، إِذْ هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَفِي هَذَا طِبَاقٌ بِذِكْرِ الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبِيثِ.

وَقَرَأَ الْبَزِّيُّ: وَلَا تَيَمَّمُوا، بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، أَصْلُهُ: تَتَيَمَّمُوا، فَأَدْغَمَ التَّاءَ فِي التَّاءِ، وَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ حَصَرْتُهَا فِي قصيدتي في القراآت المسماة (عقدة اللَّآلِئِ) وَذَلِكَ فِي أَبْيَاتٍ وَهِيَ:

تَوَلَّوْا بِأَنْفَالٍ وَهُودٍ هُمَا مَعًا ... وَنُورٍ وَفِي الْمِحْنَةِ بِهِمْ قَدْ تَوَصَّلَا

تَنَزَّلُ فِي حِجْرٍ وَفِي الشُّعْرَا مَعًا ... وَفِي الْقَدْرِ فِي الْأَحْزَابِ لَا أَنْ تَبَدَّلَا

تَبَرَّجْنَ مَعَ تَنَاصَرُونَ تَنَازَعُوا ... تَكَلَّمُ مَعَ تَيَمَّمُوا قَبْلَهُنَّ لَا

تَلْقَفُ أَنَّى كَانَ مَعَ لِتَعَارَفُوا ... وَصَاحِبَتَيْهَا فَتَفَرَّقَ حَصِّلَا

بِعِمْرَانَ لَا تَفَرَّقُوا بِالنِّسَاءِ أَتَى ... تَوَفَّاهُمْ تَخَيَّرُونَ لَهُ انْجَلَا

تَلَهَّى تَلَقَّوْنَهُ تَلَظَّى تَرَبَّصُو ... نَ زِدْ لَا تَعَارَفُوا تَمَيَّزُ تَكْمُلَا

ثَلَاثِينَ مَعَ إِحْدَى وَفِي اللَّاتَ خَلْفَهُ ... تَمَنَّوْنَ مَعَ مَا بَعْدَ ظَلْتُمْ تَنَزَّلَا

وَفِي بَدْئِهِ خَفِّفْ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا ... لَدَى الْوَصْلِ حَرْفُ الْمَدِّ مُدَّ وطوّلا


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>