للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفُوا فِي الْمَثَلِ الَّذِي فسروا به، وذكره قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلَ عِكْرِمَةَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ إِذْ ذَاكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ، وَشَدَّدَ حَفْصٌ، وَنَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: الْمَيِّتُ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي الْأَنْعَامِ، وَالْأَعْرَافِ، وَيُونُسَ، وَالرُّومِ، وَفَاطِرٍ زَادَ نَافِعٌ تَشْدِيدَ الْيَاءِ فِي: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «١» وفي الأنعام والْأَرْضُ الْمَيْتَةُ «٢» في يس ولَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً «٣» فِي الْحُجُرَاتِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا تَقُولُ: لَيِّنٌ وَلَيْنٌ وَهَيِّنٌ وَهَيْنٌ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُخَفَّفَ لِمَا قَدْ مَاتَ، وَالْمُشَدَّدَ لِمَا قَدْ مَاتَ وَلِمَا لَمْ يَمُتْ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.

وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً «٤» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ذَكَرَ قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ، فَذَكَرَ حَالَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْمُعَاقَبَةِ بَيْنَهُمَا، وَحَالَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِي إِخْرَاجِ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْعَظِيمَةِ الْمُحَيِّرَةِ لِلْأَفْهَامِ، ثُمَّ قَدَرَ أَنْ يَرْزُقَ بِغَيْرِ حِسَابٍ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ الْمُلْكَ مِنَ الْعَجَمِ وَيُذِلَّهُمْ، وَيُؤْتِيَهُ الْعَرَبُ وَيُعِزَّهُمُ. انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ.

قِيلَ: وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنْوَاعًا مِنَ: الْفَصَاحَةِ، وَالْبَلَاغَةِ، وَالْبَدِيعِ.

الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ فِي أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ. وَالْإِشَارَةُ فِي نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ فَإِدْخَالُ: مِنْ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحِيطُوا بِالتَّوْرَاةِ عِلْمًا وَلَا حِفْظًا، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِزْرَاءِ بِهِمْ، وَتَنْقِيصِ قَدْرِهِمْ وَذَمِّهِمْ، إِذْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَخْيَارٌ وَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى تَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمُ اللَّذَيْنِ سَبَبُهُمَا افْتِرَاؤُهُمْ، وَفِي وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَالتَّكْرَارُ فِي نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ إِمَّا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إِنْ كَانَ الْمَدْلُولُ وَاحِدًا، وَإِمَّا فِي اللَّفْظِ إِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا. وَفِي التَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ إِنْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي: مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ وَتَكْرَارُهُ فِي جُمَلٍ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ وَاحِدًا، وَإِنِ اخْتَلَفَ كَانَ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ فَقَطْ، وَتَكْرَارُ مَنْ تَشاءُ وَفِي تُولِجُ وَفِي تُخْرِجُ وَفِي مُتَعَلِّقَيْهِمَا. وَالِاتِّسَاعُ في جعل: في،


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٢٢.
(٢) سورة يس: ٣٦/ ٣٣.
(٣) سورة الحجرات: ٤٩/ ١٢.
(٤) سورة البقرة: ٢/ ٢١٢ و ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>