للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخِرَةِ أَنْ يَحْرِمَهُمْ ثَوَابَهُمْ لِإِحْبَاطِ أَعْمَالِهِمْ بِكُفْرِهِمْ. وَالثَّالِثُ: يُرِيدُ يُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ بِمَا اسْتَحَقُّوهُ مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَالَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هَذَا عَامٌّ فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ «١» كَانَ عَامًّا، فَكَرَّرَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْمُنَافِقِينَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَيَكُونُ لَيْسَ تَكْرِيرًا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، بَلْ حُكِمَ عَلَى الْعَامِّ بِأَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا. وَيَنْدَرِجُ فِيهِ ذَلِكَ الْخَاصُّ أَيْضًا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، وَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ لِلْخَاصِّ الْعَذَابَ بِنَوْعَيْهِ مِنَ الْعِظَمِ وَالْأَلَمِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي حَقِّهِمْ فِي الْعَذَابِ. وَجَعَلَ ذَلِكَ اشْتِرَاءً. مِنْ حَيْثُ تَمَكُّنِهُمْ مِنْ قَبُولِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَآثَرُوا الْكُفْرَ على الإيمان. وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً مَعْنَى نُمْلِي: نُمْهِلُ وَنَمُدُّ فِي الْعُمْرِ. وَالْمُلَاءَةُ الْمُدَّةُ مِنَ الدَّهْرِ، وَالْمَلَوَانُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَيُقَالُ: مَلَّاكَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ، أَيْ مَنَحَكَهَا عُمْرًا طَوِيلًا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ تَحْسَبَنَّ بِتَاءِ الْخِطَابِ، فَيَكُونُ الَّذِينَ كَفَرُوا مَفْعُولًا أول. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ، فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ يَنْسَبِكُ مِنْهُ مَصْدَرُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَالْمَصْدَرُ لَا يَكُونُ الذَّاتُ، فَخَرَجَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ:

وَلَا تَحْسَبَنَّ شَأْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا. أَوْ مِنَ الثَّانِي أَيْ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَصْحَابَ، أَنَّ الْإِمْلَاءَ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَصِحَّ كَوْنُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ. وَخَرَّجَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَاذِشِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى أَنْ يَكُونَ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ. قَالَ ابْنُ الْبَاذِشِ: وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي حُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا خَيْرِيَّةُ إِمْلَائِنَا لَهُمْ كَائِنَةٌ أَوْ وَاقِعَةٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ صَحَّ مَجِيءُ الْبَدَلِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا أَحَدَ الْمَفْعُولَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ بِفِعْلِ الْحُسْبَانِ عَلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ؟ (قُلْتُ) : صَحَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّعْوِيلَ عَلَى الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي حُكْمِ الْمُنَحَّى، أَلَا تَرَاكَ تَقُولُ: جَعَلْتُ مَتَاعَكَ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ مَعَ امْتِنَاعِ سُكُوتِكَ عَلَى مَتَاعَكَ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ الْبَاذِشِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ سَبَقَهُمَا إليه الكسائي والفراء، فالأوجه هَذِهِ الْقِرَاءَةِ التَّكْرِيرُ وَالتَّأْكِيدُ. التَّقْدِيرُ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَمِثْلُهُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ، أَيْ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ


(١) سورة المائدة: ٥/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>