للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ شَرِبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ فَتَفَاخَرُوا، فَقَالَ سَعْدٌ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ فَرَمَاهُ أَنْصَارِيٌّ بِلَحْيِ جَمَلٍ فَفَزَرَ أَنْفَهُ، وَقِيلَ بِسَبَبِ قَوْلِ عُمَرَ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا،

وَقِيلَ بِسَبَبِ قِصَّةِ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ حِينَ عَقَرَ شَارِفَ عَلِيٍّ وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي

وَهِيَ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ، وَقِيلَ كَانَ أَمْرُ الْخَمْرِ وَنُزُولُ الْآيَاتِ بِتَدْرِيجٍ، فنزل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «١» . وَقِيلَ بِسَبَبِ قِرَاءَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَكَانَ مُنْتَشِيًا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «٢» عَلَى غَيْرِ مَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ عَرَضَ مَا عَرَضَ بِسَبَبِ شُرْبِهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى تَحْرِيمِهَا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ حَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ ثَمِلُوا وَعَرْبَدُوا فَلَمَّا صَحَوْا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ يَرَى أَثَرًا بِوَجْهِهِ وَبِجَسَدِهِ فَيَقُولُ: هَذَا فِعْلُ فُلَانٍ، فَحَدَثَتْ بَيْنَهُمْ ضَغَائِنُ، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِأَكْلِ مَا رَزَقَهُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَنَهَاهُمْ عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ لَهُمْ مِمَّا لَا إِثْمَ فِيهِ وَكَانَ الْمُسْتَطَابُ الْمُسْتَلَذُّ عِنْدَهُمُ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَكَانُوا يَقُولُونَ الْخَمْرُ تَطْرُدُ الْهُمُومَ وَتُنَشِّطُ النَّفْسَ وَتُشَجِّعُ الْجَبَانَ وَتَبْعَثُ عَلَى الْمَكَارِمِ، وَالْمَيْسِرُ يَحْصُلُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَلَذَّةُ الْغَلَبَةِ بَيَّنَ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ يُقَارِنُهَا مفاسد عظيمة في الْخَمْرِ إِذْهَابُ الْعَقْلِ وَإِتْلَافُ الْمَالِ وَلِذَلِكَ ذَمَّ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ إِتْلَافَ الْمَالِ بِهَا وَجَعَلَ تَرْكَ ذَلِكَ مَدْحًا فَقَالَ:

أَخِي ثِقَةٍ لَا تُتْلِفُ الْخَمْرُ مَالَهُ ... وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ

وَتَنْشَأُ عَنْهَا مَفَاسِدُ أُخَرُ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَشِدَّةِ الْبَغْضَاءِ وَارْتِكَابِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ مَلَاكَ هَذِهِ كُلِّهَا الْعَقْلُ فَإِذَا ذَهَبَ الْعَقْلُ أَتَتْ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ، وَالْمَيْسِرُ فِيهِ أَخْذُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِي مُنِعُوا مِنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ شَهَوَاتٌ وَعَادَاتٌ، فَأَمَّا الْخَمْرُ فَكَانَتْ لَمْ تُحَرَّمْ بَعْدُ وَإِنَّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَمَّا الْمَيْسِرُ فَفِيهِ لَذَّةٌ وَغَلَبَةٌ، وَأَمَّا الْأَنْصَابُ فَإِنْ كَانَتِ الْحِجَارَةُ الَّتِي يَذْبَحُونَ عِنْدَهَا وَيَنْحَرُونَ فَحُكِمَ عَلَيْهَا بِالرِّجْسِ دَفْعًا لِمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى فِي قَلْبِ ضَعِيفِ الْإِيمَانِ مِنْ تَعْظِيمِهَا وَإِنْ كَانَتِ الْأَنْصَابُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقُرِنَتِ الثَّلَاثَةُ بِهَا مُبَالَغَةً فِي أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا كَمَا يَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَصْنَامِ، وَأَمَّا الْأَزْلَامُ الَّتِي كَانَ الْأَكْثَرُونَ يَتَّخِذُونَهَا فِي أَحَدِهَا لَا وَفِي الْآخَرِ نَعَمْ، والآخر


(١) سورة النساء: ٤/ ٤٣. [.....]
(٢) سورة الكافرون: ١/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>