للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً «١» وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عُبِدَتِ الْأَصْنَامُ فِي زَمَانِهِ وَوَحَّدَ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى وَدَعَا إِلَى رَفْضِهَا فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا وَأَنَّهُ هَدَاهُ كَمَا هَدَى إِبْرَاهِيمَ.

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ قِيلَ: وَمِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَلِأَنَّ فِي جُمْلَتِهِمْ لُوطًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ فَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ لَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ:

وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مُضَافُونَ إِلَى ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ بِوِلَادَةٍ مِنْ قِبَلِ أُمٍّ وَلَا أَبٍ، لِأَنَّ لُوطًا ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْعَمَّ أَبًا، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: وَوَهَبْنَا لَهُ لُوطًا فِي الْمُعَاضَدَةِ وَالنُّصْرَةِ انْتَهَى. قَالُوا: وَالْمَعْنَى وَهَدَيْنَا أَوْ وَوَهَبْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَقَرَنَهُمَا لِأَنَّهُمَا أَبٌ وَابْنٌ وَلِأَنَّهُمَا مَلِكَانِ نَبِيَّانِ وَقَدَّمَ دَاوُدَ لِتُقَدُّمِهِ فِي الزَّمَانِ وَلِكَوْنِهِ صَاحِبَ كِتَابٍ وَلِكَوْنِهِ أَصْلًا لِسُلَيْمَانَ وَهُوَ فَرْعُهُ.

وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ قَرَنَهُمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِامْتِحَانِ أَيُّوبُ بِالْبَلَاءِ فِي جَسَدِهِ وَنَبْذِ قَوْمِهِ لَهُ وَيُوسُفُ بِالْبَلَاءِ بِالسِّجْنِ وَلِغُرْبَتِهِ عَنْ أَهْلِهِ، وَفِي مَآلِهِمَا بِالسَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ، وَقَدَّمَ أَيُّوبَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي الِامْتِحَانِ.

وَمُوسى وَهارُونَ قرونهما لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأُخُوَّةِ وَقَدَّمَ مُوسَى لِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ.

وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ مِنْ إِيتَاءِ الْحُجَّةِ وَهِبَةِ الْأَوْلَادِ الْخَيِّرِينَ نَجْزِي مَنْ كَانَ مُحْسِنًا فِي عِبَادَتِنَا مُرَاقِبًا فِي أَعْمَالِهِ لَنَا.

وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ قَرَنَ بَيْنَهُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الزُّهْدِ الشَّدِيدِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَبَدَأَ بِزَكَرِيَّا وَيَحْيَى لِسَبْقِهِمَا عِيسَى فِي الزَّمَانِ وَقَدَّمَ زَكَرِيَّا لِأَنَّهُ وَالِدُ يَحْيَى فَهُوَ أَصْلٌ، وَيَحْيَى فَرْعٌ وَقَرَنَ عِيسَى وَإِلْيَاسَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا لَمْ يَمُوتَا بَعْدُ وَقَدَّمَ عِيسَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ كِتَابٍ وَدَائِرَةٍ مُتَّسِعَةٍ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَنْسَابِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا إِلْيَاسَ وَهُوَ إِلْيَاسُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ فِنْحَاصِ بْنِ الْعَيْزَارِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ إِدْرِيسَ هُوَ إِلْيَاسُ وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ إِدْرِيسَ هُوَ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ تَظَافَرَتْ بِذَلِكَ الرِّوَايَاتُ، وَقِيلَ: إِلْيَاسُ هُوَ الْخَضِرُ وَتَقَدَّمَ خِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي زَكَرِيَّا مَدًّا وَقَصْرًا، وَقَرَأَ ابْنُ عباس باختلاف منه وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ بِتَسْهِيلِ هَمْزَةِ إِلْيَاسَ وَفِي ذِكْرِ عِيسَى هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابن


(١) سورة نوح: ٧١/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>