للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَتَشَبَّهَ بِهِمْ، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّ بين موسى وشعيب عليها السَّلَامُ مُصَاهَرَةً كَمَا حَكَى الله في كتابه ونسب لِكَوْنِهِمَا مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمَّا اسْتَفْتَحَ قِصَّةَ نُوحٍ بِ أَرْسَلْنا بِنُونِ الْعَظَمَةِ أَتْبَعَ ذَلِكَ قِصَّةَ مُوسَى فَقَالَ: ثُمَّ بَعَثْنا وَالضَّمِيرُ فِي مِنْ بَعْدِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أَوْ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَالْآيَاتُ الْحُجَجُ الَّتِي آتَاهُ اللَّهُ عَلَى قَوْمِهِ أَوِ الْآيَاتُ التِّسْعُ أَوِ التَّوْرَاةُ أَقْوَالٌ وَتَعْدِيَةُ فَظَلَمُوا بِالْبَاءِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ بِمَعْنَى كَفَرُوا بِهَا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «١» وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً أَيْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِهَا أَوِ النَّاسَ حَيْثُ صَدُّوهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ أَوِ الرَّسُولَ فَقَالُوا سِحْرٌ وَتَمْوِيهٌ أَقْوَالٌ، وَقَالَ الْأَصَمُّ: ظَلَمُوا تِلْكَ النِّعَمَ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ بِأَنِ اسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّامِعُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْمُفْسِدِينَ الظَّالِمِينَ جَعَلَهُمْ مِثَالًا تَوَعَّدَ بِهِ كَفَرَةَ عَصْرِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقالَ مُوسى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ هَذِهِ مُحَاوَرَةٌ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفِرْعَوْنَ وَخِطَابٌ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا يُدْعَى بِهِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ إِذْ كَانَ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ فِرْعَوْنٌ كَنُمْرُودَ فِي يُونَانَ، وَقَيْصَرَ فِي الرُّومِ، وَكِسْرَى فِي فَارِسَ، وَالنَّجَاشِيِّ فِي الْحَبَشَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِرْعَوْنُ وَأَمْثَالُهُ عَلَمًا شَخْصِيًّا بَلْ يَكُونُ عَلَمَ جِنْسٍ كَأُسَامَةَ وَثُعَالَةَ وَلَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ قَدِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ فَاتَحَهُ مُوسَى بِقَوْلِهِ: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ لِيُنَبِّهَهُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَأَنَّهُ فِيهِ مُبْطِلٌ لَا مُحِقٌّ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أَرْدَفَهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ جِئْتُكُمْ وَلَمَّا قَرَّرَ رِسَالَتَهُ فَرَّعَ عَلَيْهَا تَبْلِيغَ الْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَأَرْسِلْ وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِرْعَوْنُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ طَلَبَ الْمُعْجِزَةَ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِمُوسَى وَأَنَّ الرِّسَالَةَ مُمْكِنَةٌ لِإِمْكَانِ الْمُعْجِزَةِ إِذْ لَمْ يَدْفَعْ إِمْكَانَهَا بَلْ قَالَ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الطَّلَبِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِلْمُعْجِزَةِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَعَلَ عَلى دَاخِلَةً عَلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعْنَى حَقِيقٌ جَدِيرٌ وَخَلِيقٌ وَارْتِفَاعُهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرَسُولٍ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وأَنْ لَا أَقُولَ الْأَحْسَنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِحَقِيقٍ كَأَنَّهُ قِيلَ يَحِقُّ عَلَيَّ كَذَا وَيَجِبُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْ لَا أَقُولَ مبتدأ وحَقِيقٌ خَبَرُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ حَقِيقٌ وعَلى أَنْ لَا أَقُولَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ عَلَيَّ بِجَرِّهَا أَنْ لَا أَقُولَ أي


(١) سورة لقمان: ٣١/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>