للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ أَيْ خَرَّبْنَا قُصُورَهُمْ وَأَبْنِيَتَهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالتَّدْمِيرُ الْإِهْلَاكُ وَإِخْرَابُ الْأَبْنِيَةِ، وَقِيلَ: مَا كَانَ يَصْنَعُ مِنَ التَّدْبِيرِ فِي أَمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِخْمَادِ كَلِمَتِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِهْلَاكُ أَهْلِ الْقُصُورِ وَالْمَوَاضِعِ الْمَنِيعَةِ وَإِذَا هَلَكَ السَّاكِنُ هَلَكَ الْمَسْكُونُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ أَيْ يَرْفَعُونَ مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْمُشَيَّدَةِ كَصَرْحِ هَامَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ عُرُشُ الْكُرُومِ وَمِنْهُ وجَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ «١» ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو رَجَاءٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ هُنَا وَفِي النَّحْلِ وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: هِيَ أَفْصَحُ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ يَعْرِشُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتَحَ الْعَيْنَ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَانْتَزَعَ الْحَسَنُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْرَجَ عَلَى مُلُوكِ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ نَصْبِرَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُدَمِّرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ إِذَا قَابَلَ النَّاسُ الْبَلَاءَ بِمِثْلِهِ وَكَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِذَا قَابَلُوهُ بِالصَّبْرِ وَانْتِظَارِ الْفَرَجِ أَتَى الْفَرَجُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضُ النَّاسِ يَغْرِسُونَ مِنْ غَرَسَ الْأَشْجَارَ وَمَا أَحْسَبُهُ إِلَّا تَصْحِيفًا وَهَذَا آخِرُ مَا اقْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَبَأِ فِرْعَوْنَ وَالْقِبْطِ وَتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَظُلْمِهِمْ وَمُعَارَضَتِهِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ اقْتِصَاصَ نَبَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا أَحْدَثُوهُ بَعْدَ إِنْقَاذِهِمْ مِنْ مَمْلَكَةِ فِرْعَوْنَ، وَاسْتِعْبَادِهِ، وَمُعَايَنَتِهِمُ الْآيَاتِ الْعِظَامَ وَمُجَاوَزَتِهِمُ الْبَحْرَ مِنْ عِبَادَةِ الْبَقَرِ، وَطَلَبِ رُؤْيَةِ الله جهرة، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي لِيُعْلَمَ حَالُ الْإِنْسَانِ وَأَنَّهُ كَمَا وَصَفَ ظَلُومٌ كَفَّارٌ جَهُولٌ كَفُورٌ إِلَّا مَنْ عصمه الله تَعَالَى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ «٢» وَلِيُسَلِّيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا رَأَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْمَدِينَةِ.

وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ لَمَّا بَيَّنَ أَنْوَاعَ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِهْلَاكِ عَدُوِّهِمْ أَتْبَعَ بِالنِّعْمَةِ الْعُظْمَى مِنْ إِرَاءَتِهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ وَقَطْعِهِمُ الْبَحْرَ مَعَ السَّلَامَةِ وَالْبَحْرُ بَحْرُ الْقُلْزُمِ، وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ نِيلُ مِصْرَ وَمَعْنَى جاوَزْنا قَطَعْنَا بِهِمُ الْبَحْرَ يُقَالُ جَاوَزَ الْوَادِيَ إِذَا قَطَعَهُ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ بقال جَاوَزَ الْوَادِيَ إِذَا قَطَعَهُ، وَجَاوَزَ بِغَيْرِهِ الْبَحْرَ عَبَرَ بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجُزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ أَجَزْنَاهُمُ الْبَحْرَ وَفَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ الْمُجَرَّدِ يُقَالُ جَاوَزَ وَجَازَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَيَعْقُوبُ وَجَوَّزْنَا وَهُوَ مِمَّا جَاءَ فِيهِ فَعَّلَ بِمَعْنَى فَعَلَ المجرد نحو قدر وقدر وَلَيْسَ التَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ

رُوِيَ أَنَّهُ عَبَرَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بعد ما أَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ وَأُعْطِيَ مُوسَى التَّوْرَاةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ شهرا.


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٤١.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>