للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَأْسَ وَبُئِسَ وَالرُّبَاعِيَّةُ اسْمًا بَيْأَسٍ وَبِيئِسٍ وَبَيْئِسٍ وَبَيْسٍ وبييس وَبَيِيسٍ وَبَئِيسٍ وَبَائِسٍ وَفِعْلًا باءس.

فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. أَيِ اسْتَعْصَوْا وَالْعُتُوُّ الِاسْتِعْصَاءُ وَالتَّأَبِّي فِي الشَّيْءِ وَبَاقِي الْآيَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَذَابَ وَالْمَسْخَ وَالْهَلَاكَ إِنَّمَا وَقَعَ بِالْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْتِ وَالْأُمَّةُ الْقَائِلَةُ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً هُمْ مِنْ فَرِيقِ النَّاهِينَ النَّاجِينَ وَإِنَّمَا سَأَلُوا إِخْوَانَهُمْ عَنْ عِلَّةِ وَعْظِهِمْ وَهُوَ لَا يُجْدِي فِيهِمْ شَيْئًا الْبَتَّةَ إذ الله ملهكهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ فَيَصِيرُ الْوَعْظُ إذ ذاك كالعبث كَوَعْظِ الْمِكَاسَيْنِ فَإِنَّهُمْ يَسْخَرُونَ بِمَنْ يَعِظُهُمْ وَكَثِيرٌ مَا يُؤَدِّي إِلَى تَنْكِيلِ الْوَاعِظِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأُمَّةَ الْقَائِلَةَ لِمَ تَعِظُونَ هُمُ الْعُصَاةُ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ أَيْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ تَكُونُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنَ الْهَالِكِينَ الْمَمْسُوخِينَ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فَلَمَّا عَتَوْا أَنَّهُمْ أَوَّلًا أُخِذُوا بِالْعَذَابِ حِينَ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ثُمَّ لَمَّا عَتَوْا مُسِخُوا، وَقِيلَ: فَلَمَّا عَتَوْا تَكْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَسُوا وَالْعَذَابُ الْبَئِيسُ هُوَ الْمَسْخُ.

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ. لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قُبْحَ فِعَالِهِمْ وَاسْتِعْصَاءَهُمْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَأَذَّنَ أَعْلَمَ مِنَ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ وَأَبُو عَلِيٍّ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تَأَذَّنَ حَتَمَ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: وَعَدَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَ وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَعْنَى أَعْلَمَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَمَرَ وَعَنْهُ قَالَ: وَقِيلَ أَقْسَمَ وَرُوِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ تَأَذَّنَ عَزَمَ رَبُّكَ وَهُوَ تَفَعَّلَ مِنَ الْإِيذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لِأَنَّ الْعَازِمَ عَلَى الْأَمْرِ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ وَيُؤْذِنُهَا بِفِعْلِهِ وَأُجْرِيَ مَجْرَى فِعْلِ الْقَسَمِ كَعَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ وَلِذَلِكَ أُجِيبَ بِمَا يُجَابُ بِهِ الْقَسَمُ وَهُوَ قوله لَيَبْعَثَنَّ والمعنى وإذا حَتَّمَ رَبُّكَ وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

بِنْيَةُ تَأَذَّنَ هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي التَّكَسُّبَ مِنْ أَذِنَ أَيْ عَلِمَ وَمَكَنَ فَإِذَا كَانَ مُسْنَدًا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ لَحِقَهُ مَعْنَى التَّكَسُّبِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمُحْدَثِينَ وَإِلَى اللَّهِ كَانَ بِمَعْنَى عَلِمِ صِفَةً لَا مُكْتَسَبَةً بَلْ قائمة بالذات فالمعنى وإذا عَلِمَ اللَّهُ لَيَبْعَثَنَّ وَيَقْتَضِي قُوَّةَ الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ مِنْهُ مُقْتَرِنٌ بِإِنْفَاذٍ وَإِمْضَاءٍ كَمَا تَقُولُ فِي أَمْرٍ قَدْ عَزَمْتَ عَلَيْهِ غاية العزم على اللَّهُ لَأَبْعَثَنَّ كَذَا نَحَا إِلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ تَأَذَّنَ مَعْنَاهُ أَعْلَمَ وَهُوَ قَلَقٌ مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيفِ إِذْ نِسْبَةُ تَأَذَّنَ إِلَى الْفَاعِلِ غَيْرُ نِسْبَةِ أَعْلَمَ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَرْقٌ مِنَ التَّعَدِّي وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَفِيهِ بَعْضُ اخْتِصَارٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>