للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صفاته فيصفونه بمشئية الْقَبَائِحِ وَخَلْقِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَبِمَا يَدْخُلُ فِي التَّشْبِيهِ كَالرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ اتْرُكُوهُمْ وَلَا تُحَاجُّوهُمْ وَلَا تَعْرِضُوا لَهُمْ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى هَذَا مَنْسُوخَةً بِالْقِتَالِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ كَقَوْلِهِ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «١» وَقَوْلِهِ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا «٢» وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَاتْرُكُوا تَسْمِيَةَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ عَنِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِيهَا فَيُسَمُّونَهُ بِغَيْرِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَذَلِكَ أَنْ يُسَمُّوهُ بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ كَمَا سَمِعْنَا الْبَدْوَ بِجَهْلِهِمْ يَقُولُونَ: يَا أَبَا الْمَكَارِمِ يَا أَبْيَضَ الْوَجْهِ يَا سَخِيُّ، أَوْ أَنْ يَأْبَوْا تَسْمِيَتَهُ بِبَعْضِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى نَحْوَ أَنْ يَقُولُوا: يَا اللَّهُ وَلَا يَقُولُوا: يَا رَحْمَنُ، وَقِيلَ:

مَعْنَى الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ تَسْمِيَتُهُمْ أَوْثَانَهُمُ اللَّاتَ نَظَرًا إِلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعُزَّى نَظَرًا إِلَى الْعَزِيزِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَيُسَمُّونَ اللَّهَ أَبًا وَأَوْثَانَهُمْ أَرْبَابًا وَنَحْوَ هَذَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَى يُلْحِدُونَ يُكَذِّبُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يُشْرِكُونَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْغَلَطُ فِي أَسْمَائِهِ وَالزَّيْغُ عَنْهَا إِلْحَادٌ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: يُلْحِدُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ وَكَذَا فِي النَّحْلِ وَالسَّجْدَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشِ وَطَلْحَةَ وَعِيسَى، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وكسر الحاء فيهنّ وسَيُجْزَوْنَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَانْدَرَجَ تَحْتَ قَوْلِهِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ الْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ وَسَائِرُ أَفْعَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ.

وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ لَمَّا ذَكَرَ مَنْ ذَرَأَ لِلنَّارِ ذَكَرَ مُقَابِلَهُمْ وَفِي لَفْظَةِ وَمِمَّنْ دَلَالَةٌ عَلَى التَّبْعِيضِ وَأَنَّ الْمُعْظَمَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَيْسُوا هُدَاةً إِلَى الْحَقِّ وَلَا عَادِلِينَ بِهِ، قِيلَ: هُمُ الْعُلَمَاءُ وَالدُّعَاةُ إِلَى الدِّينِ، وَقِيلَ: هُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَهُ ابْنُ الْكَلْبِيِّ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ أُمَّةُ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ

وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: «هَذِهِ لَكُمْ، وَقَدْ أُعْطِيَ الْقَوْمُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا»

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى الآية

وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَخْبَرَ فِيهَا أَنَّ مِمَّنْ خَلَقَ أُمَّةً مَوْصُوفُونَ بِكَذَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينٍ لَا فِي أَشْخَاصٍ وَلَا فِي أَزْمَانٍ وَصَلَحَتْ لِكُلِّ هَادٍ بِالْحَقِّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي زَمَانِ الرَّسُولِ وَغَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَهَا فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَشْخَاصٍ وَلَا زَمَانٍ وَإِنَّمَا هَذَا تَقْسِيمٌ لِلْمَخْلُوقِ لِلنَّارِ وَالْمَخْلُوقِ لِلْجَنَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ وَمِمَّنْ خَلَقْنا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِثْبَاتُ مُقَابِلِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ.


(١) سورة المدثر: ٧٤/ ١١.
(٢) سورة الحجر: ١٥/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>