للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَدْءِ بِالْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا تُتْرَكَ مُصَادَمَتُهُ، وَأَنْ يُوَبَّخَ مَنْ فَرَّطَ فِيهَا، قَالَهُ:

الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ تَكْثِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَوَّلَ مَرَّةٍ. قِيلَ: يُرِيدُ أَفْعَالَهُمْ بِمَكَّةَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا بَدَأَتْ بِهِ قُرَيْشٌ مِنْ مَعُونَةِ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَائَهُمْ عَلَى خُزَاعَةَ حُلَفَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ هَذَا بَدْءَ النَّقْضِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: يَعْنِي فِعْلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ انْتَهَى.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بَدَوْكُمْ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ مِنْ بَدَأْتُ بِإِبْدَالِهَا يَاءً، كَمَا قَالُوا فِي قَرَأْتُ: قَرَيْتُ، فَصَارَ كَرَمَيْتُ. فَلَمَّا أُسْنِدَ الْفِعْلُ إِلَى وَاوِ الضَّمِيرِ سَقَطَتْ، فَصَارَ بَدَوْكُمْ كَمَا تَقُولُ: رَمَوْكُمْ. أَتَخْشَوْنَهُمْ تَقْرِيرٌ لِلْخَشْيَةِ مِنْهُمْ، وَتَوْبِيخٌ عَلَيْهَا. فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فَتَقْتُلُوا أَعْدَاءَهُ. وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ وخبره أحق، وأن تَخْشَوْهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّهِ أَيْ:

وَخَشْيَةُ اللَّهِ أَحَقُّ مِنْ خَشْيَتِهِمْ وَأَنْ تَخْشَوْهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ جَرٍّ على الْخِلَافِ إِذَا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، وَتَقْدِيرُهُ: بِأَنْ تَخْشَوْهُ أَيْ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ تَخْشَوْهُ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ أَنْ تَخْشَوْهُ مُبْتَدَأً، وَأَحَقُّ خَبَرُهُ قُدِّمَ عَلَيْهِ. وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ أَحَقُّ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ أَنْ تَخْشَوْهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الْأَوَّلِ. وَحَسُنَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَقَدْ أَجَازَ سِيبَوَيْهِ أَنْ تَكُونَ الْمَعْرِفَةُ خَبَرًا لِلنَّكِرَةِ فِي نَحْوِ: اقْصِدْ رَجُلًا خَيْرٌ مِنْهُ أَبُوهُ. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ كَامِلِي الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

يَعْنِي أَنَّ قَضِيَّةَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَخْشَى الْمُؤْمِنُ إِلَّا رَبَّهُ وَلَا يُبَالِي بِمَنْ سِوَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ «١» .

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَرَّرَتِ الْآيَاتُ قَبْلَ هَذَا أَفْعَالَ الْكَفَرَةِ الْمُقْتَضِيَةَ لِقِتَالِهِمْ، وَالْحَضَّ عَلَى الْقِتَالِ، وَحَرُمَ الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ فِي هَذِهِ، وَتَعْذِيبُهُمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ هُوَ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ، وَهَذِهِ وُعُودٌ ثَبَّتَتْ قُلُوبَهُمْ وَصَحَّحَتْ نِيَّاتِهِمْ، وَخِزْيُهُمْ هُوَ إِهَانَتُهُمْ وَذُلُّهُمْ، وَيَنْصُرْكُمْ يُظْفِرُكُمْ بِهِمْ، وَشِفَاءُ الصُّدُورِ بِإِعْلَاءِ دِينِ اللَّهِ وَتَعْذِيبِ الْكُفَّارِ وَخِزْيِهِمْ.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَنَشْفِ بِالنُّونِ عَلَى الِالْتِفَاتِ، وَجَاءَ التَّرْكِيبُ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ لِيَشْمَلَ الْمُخَاطَبِينَ وَكُلَّ مُؤْمِنٍ، لِأَنَّ مَا يُصِيبُ أَهْلُ الْكُفْرِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْخِزْيِ هُوَ شِفَاءٌ لِصَدْرِ كُلِّ مُؤْمِنٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ قَوْمٌ مُعَيَّنُونَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ بُطُونٌ مِنَ الْيَمَنِ وَسَبَأٍ قَدِمُوا مَكَّةَ فَأَسْلَمُوا، فَلَقُوا مِنْ أَهْلِهَا أَذًى شَدِيدًا، فَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون إليه


(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>