للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالظَّرْفِ يَعْنِي: فَتَكُونُ حَالًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُبَيِّنَةً لِقَوْلِهِ: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً، لِأَنَّ التَّعَارُفَ يَبْقَى مَعَ طُولِ الْعَهْدِ وَيَنْقَلِبُ تَنَاكُرًا انْتَهَى. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: يَتَعَارَفُونَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَلْبَثُوا وَهُوَ الْعَامِلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: مُتَعَارِفِينَ، الْمَعْنَى: اجْتَمَعُوا مُتَعَارِفِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا من الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي نَحْشُرُهُمْ وَهُوَ الْعَامِلُ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِلْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ حَشْرًا كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا، فَقَدْ حَكَاهُ أَبُو الْبَقَاءِ فَقَالَ: وَقِيلَ هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَشْرًا كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا قَبْلَهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حَذْفَ مِثْلِ هَذَا الرَّابِطِ لَا يَجُوزُ. وَجَوَّزُوا فِي يَتَعَارَفُونَ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْخِلَافِ في ذي الحال والعامل فِيهَا، وَأَنْ يَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَقَعُ التَّعَارُفُ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَعْرِفَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، وَهُوَ تَعَارُفُ تَوْبِيخٍ وَافْتِضَاحٍ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْتَ أَضْلَلْتَنِي وَأَغْوَيْتَنِي، وَلَيْسَ تَعَارُفَ شَفَقَةٍ وَعَطْفٍ، ثُمَّ تَنْقَطِعُ الْمَعْرِفَةُ إِذَا عَايَنُوا أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ «١» . وَقِيلَ: يُعَرِّفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَأِ وَالْكُفْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَعَارَفُ تَعَاطُفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْكَافِرُونَ لَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ. وَقِيلَ: الْقِيَامَةُ مُوَاطِنُ، فَفِي مَوْطِنٍ يَتَعَارَفُونَ وَفِي مَوْطِنٍ لَا يَتَعَارَفُونَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهِ جملة مستأنفة، أخبر تعالى بِخُسْرَانِ الْمُكَذِّبِينَ بِلِقَائِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَخْسَرَهُمْ. وَقَالَ أَيْضًا: وَابْتَدَأَ بِهِ قَدْ خَسِرَ عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ أَيْ: يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَقِيلَ إِنَّهُ إِخْبَارُ الْمَحْشُورِينَ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ لِأَنْفُسِهِمْ انْتَهَى. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ كَقَوْلِ غَيْرِهِ: نَحْشُرُهُمْ قَائِلِينَ قَدْ خَسِرَ، فَاحْتَمَلَ هَذَا الْمُقَدَّرُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لَيَتَعَارَفُونَ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِنَحْشُرُهُمْ، وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْخُسْرَانِ وَهُوَ التَّكْذِيبُ بِلِقَاءِ اللَّهِ. وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ، فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ الْمَحْشُورِينَ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ قَدْ خَسِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ، أَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِخُسْرَانِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَبِانْتِفَاءِ هِدَايَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى صِلَةِ الَّذِينَ أَيْ: كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ، وَانْتَفَتْ هِدَايَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ كالتوكيل بِجُمْلَةِ الصِّلَةِ، لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِلِقَاءِ اللَّهِ هُوَ غَيْرُ مُهْتَدٍ. وَقِيلَ: وَمَا


(١) سورة المعارج: ٧٠/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>