للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ مَسْعُودٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ فِي الشَّاذِّ. فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَإِعْمَالُ إِنْ مُخَفَّفَةً كَإِعْمَالِهَا مُشَدَّدَةً، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ: ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ تَخْفِيفَ إِنْ يُبْطِلُ عَمَلَهَا، وَلَا يَجُوزَ أَنْ تَعْمَلَ. وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ إِعْمَالَهَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُ قَلِيلٌ إِلَّا مَعَ الْمُضْمَرِ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا إِنْ وَرَدَ فِي شَعْرٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. حَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ الثِّقَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْعَرَبِ أَنْ عُمَرَ الْمُنْطَلِقُ، وَلِثُبُوتِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَقَدْ تَأَوَّلَهَا الْكُوفِيُّونَ. وَأَمَّا لَمَّا فَقَالَ الْفَرَّاءُ: فَاللَّامُ فِيهَا هِيَ اللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى خَبَرِ إِنَّ، وَمَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي كَمَا جَاءَ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ «١» وَالْجُمْلَةُ مِنَ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ وَجَوَابِهِ الَّذِي هُوَ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ صِلَةُ، لَمَّا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ «٢» وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ، وَمِنْ إِيقَاعِ مَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ قَوْلُهُمْ: لَا سِيَّمَا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ، أي لاسي الَّذِي هُوَ زَيْدٌ.

وَقِيلَ: مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَهِيَ لِمَنْ يَعْقِلُ، وَالْجُمْلَةُ الْقَسَمِيَّةُ وَجَوَابُهَا قَامَتْ مَقَامَ الصِّفَةِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَإِنَّ كُلًّا لَخُلِقَ مُوَفًّى عَمَلُهُ، وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَاخْتَارَهُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ:

الْعُرْفُ أَنْ تَدْخُلَ لَامُ الِابْتِدَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ هُنَا هُوَ الْقَسَمُ وَفِيهِ لَامٌ تَدْخُلُ عَلَى جَوَابِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ اللَّامَانِ وَالْقَسَمُ مَحْذُوفٌ، وَاتَّفَقَا فِي اللَّفْظِ، وَفِي تَلَقِّي الْقَسَمِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِمَا كَمَا فَصَلُوا بَيْنَ إِنَّ وَاللَّامِ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ اللَّامَ فِي لَمَّا هِيَ اللَّامُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ، وَنَصَّ الْحَوْفِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَامُ إِنَّ، إِلَّا أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَتَحْرِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْقَسَمُ وَجَوَابُهُ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِي لَمَّا مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَمَا مَزِيدَةٌ، وَالْخَبَرُ الْجُمْلَةُ الْقَسَمِيَّةُ وَجَوَابُهَا، وَإِلَى هَذَا القول في التحقيق يؤول قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ.

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ فَتَشْدِيدُ إِنَّ وَإِعْمَالُهَا فِي كُلٍّ وَاضِحٌ. وَأَمَّا تَشْدِيدُ لَمَّا فَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا لَحْنٌ، لَا تَقُولُ الْعَرَبُ إِنَّ زَيْدًا لَمَّا خَارِجٌ، وَهَذِهِ جَسَارَةٌ مِنَ الْمُبَرِّدِ عَلَى عَادَتِهِ. وَكَيْفَ تَكُونُ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَحْنًا وَلَيْسَ تَرْكِيبُ الْآيَةِ كَتَرْكِيبِ الْمِثَالِ الَّذِي قَالَ: وَهُوَ إِنَّ زَيْدًا لَمَّا خَارِجٌ هَذَا الْمِثَالُ لَحْنٌ، وَأَمَّا فِي الْآيَةِ فَلَيْسَ لَحْنًا، وَلَوْ سَكَتَ وَقَالَ كَمَا قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَكَانَ قَدْ وُفِّقَ، وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ فَاخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِهَا. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُهُ لما منونا وقد قرىء كَذَلِكَ، ثُمَّ بُنِيَ مِنْهُ فَعْلَى، فَصَارَ كَتَتْرَى نُوِّنَ إِذْ جُعِلَتْ أَلِفُهُ لِلْإِلْحَاقِ كَأَرْطَى، وَمُنِعَ الصَّرْفَ إِذْ جُعِلَتْ أَلِفَ تَأْنِيثٍ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَمَمْتُهُ أَيْ جَمَعْتُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّ كُلًّا جَمِيعًا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَيَكُونُ جَمِيعًا فِيهِ مَعْنَى التَّوْكِيدِ كَكُلٍّ، وَلَا يُقَالُ لَمَّا هَذِهِ هِيَ لَمَّا الْمُنَوَّنَةُ وُقِفَ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ التَّنْوِينِ، وَأَجْرَى الْأَصْلَ مجرى الوقف،


(١) سورة النساء: ٤/ ٣.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>