للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رَحْلِهِ عَائِدٌ عَلَى مَنْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَهُوَ جَزَاؤُهُ، زِيَادَةَ بَيَانٍ وَتَأْكِيدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ جَزَاؤُهُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ يُؤَكِّدُ بِقَوْلِهِ: فَهُوَ جَزَاؤُهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي قَبْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ أَبْرَزَ الْمُضَافَ الْمَحْذُوفَ فِي قَوْلِهِ: اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ، لِأَنَّ الذَّاتَ لَا تَكُونُ خَبَرًا عَنِ الْمَصْدَرِ، فَالتَّقْدِيرُ فِي الْقَوْلِ قَبْلَهُ جَزَاؤُهُ أخذ من وجد في رَحْلِهِ، أَوِ اسْتِرْقَاقُ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى هَذَا الْإِعْرَابِ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَأَبْعَدِهَا مِنَ التَّكَلُّفِ. كَذَلِكَ أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ الِاسْتِرْقَاقُ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أَيْ بالسرقة وهو ديننا وسنتنافى أَهْلِ السَّرِقَةِ.

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ قِيلَ: قَالَ لَهُمْ مَنْ وُكِّلَ بِهِمْ: لَا بُدَّ مِنْ تَفْتِيشِ أَوْعِيَتِكُمْ، فَانْصَرَفَ بِهِمْ إِلَى يُوسُفَ، فَبَدَأَ بِتَفْتِيشِ أَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ بِنْيَامِينَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، وَتَمْكِينِ الْحِيلَةِ، وَإِبْقَاءِ ظُهُورِهَا حَتَّى بَلَغَ وِعَاءَهُ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ هَذَا أَخَذَ شَيْئًا فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا تَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْظُرَ فِي رَحْلِهِ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِكَ وَأَنْفُسِنَا، فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْهُ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ مِنْ وُعَاءِ بِضَمِّ الْوَاوِ، وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ. وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ إِعَاءِ بِإِبْدَالِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا: إِشَاحٌ وَإِسَادَةٌ فِي وِشَاحٍ وَوِسَادَةٍ، وَذَلِكَ مُطَّرَدٌ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ، يُبَدِّلُونَ مِنَ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَوَّلًا هَمْزَةً، وَأَنَّثَ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا عَلَى مَعْنَى السِّقَايَةِ، أَوْ لِكَوْنِ الصُّوَاعِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُؤَنَّثُ الصُّوَاعُ مِنْ حَيْثُ سُمِّيَ سِقَايَةً، وَيُذَكَّرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَاعٌ، وَكَأَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ لَمْ يَحْفَظْ تَأْنِيثَ الصُّوَاعِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا عَائِدٌ عَلَى السَّرِقَةِ، كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْكَيْدِ الْعَظِيمِ كِدْنَا لِيُوسُفَ يَعْنِي: عَلَّمْنَاهُ إِيَّاهُ، وَأَوْحَيْنَا بِهِ إِلَيْهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ: كِدْنَا صَنَعْنَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَأَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَيْدَ إِلَى ضَمِيرِهِ، لَمَّا أَخْرَجَ الْقَدْرَ الَّذِي أَبَاحَ لِيُوسُفَ أَخَذَ أَخِيهِ مَخْرَجَ مَا هُوَ فِي اعْتِيَادِ النَّاسِ كَيْدٌ. وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي دِينِ الْمَلِكِ بِسُلْطَانِهِ، وَفَسَّرَهُ قَتَادَةُ بِالْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ تَفْسِيرٌ لِلْكَيْدِ وَبَيَانٌ لَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي دِينِ مَلِكِ مِصْرَ، وَمَا كَانَ يَحْكُمُ بِهِ فِي السَّارِقِ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَيْ مَا أَخَذَ إِلَّا أَنْ يُلْزَمَ وَيُسْتَعْبَدَ. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالِاسْتِثْنَاءُ حِكَايَةٌ حَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>