للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «١» وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً «٢» . وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ كَانَ قَدْ تَعَبَّدَ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَالْتَمَسَ الدِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ كَفَرَ فِي الْإِسْلَامِ انْتَهَى. فَجَعَلَ الظَّمْآنُ هُوَ الْكَافِرَ حَتَّى تَطَّرِدَ الضَّمَائِرُ فِي جاءَهُ ولَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ وعِنْدَهُ وفَوَفَّاهُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرُهُ غَايَرَ بَيْنَ الضَّمَائِرِ فَالضَّمِيرُ فِي جاءَهُ ولَمْ يَجِدْهُ لِلظَّمْآنِ. وَفِي وَوَجَدَ لِلْكَافِرِ الَّذِي ضَرَبَ لَهُ مثلا بالظمئان، أَيْ وَوَجَدَ هَذَا الْكَافِرُ وَعْدَ اللَّهِ بِالْجَزَاءِ عَلَى عَمَلِهِ بِالْمِرْصَادِ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ عَمَلَهُ الَّذِي جَازَاهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أُبَيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي وَوَجَدَ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْجَمْعِ حَمْلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارُ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي جاءَهُ عَلَى السَّرَابِ. ثُمَّ فِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ تَقْدِيرُهُ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَظُنُّ عَمَلَهُ نَافِعًا حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَيَحْتَمِلُ الضَّمِيرِ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَعْمالُهُمْ وَيَكُونُ تَمَامُ الْمَثَلِ فِي قَوْلِهِ مَاءً وَيَسْتَغْنِي الْكَلَامُ عَنْ مَتْرُوكٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لَكِنْ يَكُونُ فِي الْمَثَلِ إِيجَازٌ وَاقْتِضَابٌ لِوُضُوحِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ.

وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ أَيْ بِالْمُجَازَاةِ، وَالضَّمِيرُ فِي عِنْدَهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَمَلِ انْتَهَى.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ أَعْمَالَهُمْ فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا بِسَرَابٍ صِفَتُهُ كَذَا، وَأَنَّ الضَّمَائِرَ فِيمَا بَعْدَ الظَّمْآنُ لَهُ. وَالْمَعْنَى فِي وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ أَيْ وَوَجَدَ مَقْدُورَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكٍ بِالظَّمَأِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ مَوْضِعِ السَّرَابِ فَوَفَّاهُ مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَحْسُوبُ لَهُ، وَاللَّهُ مُعَجِّلٌ حِسَابَهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَنَاسِقًا آخِذًا بَعْضُهُ بِعُنُقِ بَعْضٍ. وَذَلِكَ بِاتِّصَالِ الضَّمَائِرِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ هَذَا التَّشْبِيهُ مُطَابِقًا لِأَعْمَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوهَا نَافِعَةً فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ وَحَصَلَ لَهُمُ الْهَلَاكُ بِإِثْرِ مَا حُوسِبُوا.

وَأَمَّا فِي قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: فَإِنَّهُ وَإِنْ جَعَلَ الضَّمَائِرَ لِلظَّمْآنِ لَكِنَّهُ جَعَلَ الظَّمْآنُ هُوَ الْكَافِرَ وَهُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ. وَشَبَّهَ الْمَاءَ بَعْدَ الْجَهْدِ بِالْمَاءِ. وَأَمَّا فِي قَوْلِ غَيْرِهِ: فَفِيهِ تَفْكِيكُ الْكَلَامِ إِذْ غَايَرَ بَيْنَ الضَّمَائِرِ وَانْقَطَعَ تَرْصِيفُ الْكَلَامِ بِجَعْلِ بَعْضِهِ مُفْلِتًا مِنْ بَعْضٍ.

أَوْ كَظُلُماتٍ هَذَا التَّشْبِيهُ الثَّانِي لِأَعْمَالِهِمْ فَالْأَوَّلُ فِيمَا يؤول إِلَيْهِ أَعْمَالُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا الثَّانِي فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ فِي حَالِ الدُّنْيَا. وَبَدَأَ بِالتَّشْبِيهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ آكد في الإخبار


(١) سورة الكهف: ١٨/ ١٠٤.
(٢) سورة الفرقان: ٢٥/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>