للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِهِ فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ دُفْعَةً لَكَذَّبُوا وَكَفَرُوا كَمَا كَذَّبَ قَوْمُ مُوسَى.

والْكِتابَ هنا التوراة وهارُونَ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلْنَا. وَأَنْ يَكُونَ وَزِيراً وَالْوِزَارَةُ لَا تُنَافِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ أَنْبِيَاءُ يوازر بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمَذْهُوبُ إِلَيْهِمُ الْقِبْطُ وَفِرْعَوْنُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ فَذَهَبَا وَأَدَّيَا الرِّسَالَةَ فَكَذَّبُوهُمَا فَدَمَّرْناهُمْ وَالتَّدْمِيرُ أَشَدُّ الْإِهْلَاكِ وَأَصْلُهُ كَسْرُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهُ. وَقِصَّةُ مُوسَى وَمَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ذُكِرَتْ مُنْتَهِيَةً فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ وَهُنَا اخْتُصِرَتْ فَأَوْجَزَ بِذِكْرِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُلْزِمُ الْحُجَّةَ بِبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَاسْتِحْقَاقَ التَّدْمِيرِ بِتَكْذِيبِهِمْ.

وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَمَسْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ: فَدَمِّرَاهُمْ عَلَى الْأَمْرِ لِمُوسَى وَهَارُونَ

،

وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الشَّدِيدَةِ.

وَعَنْهُ أَيْضًا فَدَمِّرَا أَمْرًا لَهُمَا بِهِمْ بِبَاءِ الْجَرِّ،

وَمَعْنَى الْأَمْرِ كُونَا سَبَبَ تَدْمِيرِهِمْ.

وَانْتَصَبَ وَقَوْمَ نُوحٍ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَكَانَ النَّصْبُ أَرْجَحَ لِتَقَدُّمِ الْجُمَلِ الْفِعْلِيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ لَمَّا فِي هَذَا الْإِعْرَابِ ظَرْفًا عَلَى مَذْهَبِ الْفَارِسِيِّ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حَرْفَ وُجُوبٍ لِوُجُوبٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَغْرَقْناهُمْ جَوَابُ لَمَّا فَلَا يُفَسَّرُ ناصبا لقوم فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَفْعُولِ فِي فَدَمَّرْناهُمْ أَوْ مَنْصُوبًا عَلَى مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ. وَقَدْ جَوَّزَ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ الْحَوْفِيُّ.

لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ كَذَّبُوا نُوحًا وَمَنْ قَبْلَهُ أَوْ جَعَلَ تَكْذِيبَهُمْ لِنُوحٍ تَكْذِيبًا لِلْجَمِيعِ، أَوْ لَمْ يَرَوْا بَعْثَةَ الرُّسُلِ كَالْبَرَاهِمَةِ وَالظَّاهِرُ عَطْفُ وَعاداً عَلَى وقَوْمَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:

يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا على لِلظَّالِمِينَ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ وَعَدْنَا الظَّالِمِينَ بِالْعَذَابِ وَوَعَدْنَا عَادًا وَثَمُودَ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَعَمْرِو بْنُ مَيْمُونٍ وَالْحَسَنُ وَعِيسَى وَثَمُودَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ. وَأَصْحابَ الرَّسِّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمٌ ثَمُودَ وَيُبَعِّدُهُ عَطْفُهُ عَلَى ثَمُودَ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهَا الرَّسُّ وَالْفَلَجُ. قِيلَ: قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ فَهَلَكُوا وَهُمْ بَقِيَّةُ ثَمُودَ وَقَوْمِ صَالِحٍ. وَقَالَ كَعْبٌ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ بِئْرٌ بِأَنْطَاكِيَةِ الشَّامِ قُتِلَ فِيهَا صَاحِبُ يَاسِينَ وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ. وَقِيلَ: قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ وَرَسُّوهُ فِي بِئْرٍ أَيْ دَسُّوهُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>