للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدْرٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَتْلُ وَالْجُوعُ لِقُرَيْشٍ، وَعَنْهُ: إِنَّهُ عَذَابُ الْقَبْرِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمُقَاتِلٌ: هُوَ السُّنُونُ الَّتِي أَجَاعَهُمُ اللَّهِ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ الْحُدُودُ. وَقَالَ أُبَيٌّ أَيْضًا: هُوَ الْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَالدُّخَانُ. والْعَذابِ الْأَكْبَرِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَفِي التَّحْرِيرِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ.

وَقِيلَ: هُوَ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ وَالْأَسْرُ.

وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ بِالسَّيْفِ.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَعَلَّ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ يَتُوبُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَرْجِعُونَ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ وَيَطْلُبُونَهُ لِقَوْلِهِ: فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً. وَسُمِّيَتْ إِرَادَةُ الرُّجُوعِ رُجُوعًا، كَمَا سُمِّيَتْ إِرَادَةُ الْقِيَامِ قِيَامًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا «١» . انْتَهَى. وَيُقَابِلُ الْأَدْنَى: الْأَبْعَدُ، وَالْأَكْبَرَ: الْأَصْغَرُ. لَكِنَّ الْأَدْنَى يَتَضَمَّنُ الْأَصْغَرَ، لِأَنَّهُ مُنْقَضٍ بِمَوْتِ الْمُعَذَّبِ وَالتَّخْوِيفِ، إِنَّمَا يَصْلُحُ بِمَا هُوَ قَرِيبٌ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْعَاجِلُ. وَالْأَكْبَرُ يَتَضَمَّنُ الْأَبْعَدَ، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّخْوِيفُ بِالْبَعِيدِ إِنَّمَا يَصْلُحُ بِذِكْرِ عِظَمِهِ وَشِدَّتِهِ، فَحَصَلَتِ الْمُقَابَلَةُ مِنْ حَيْثُ التَّضَمُّنِ، وَخَرَجَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ آكَدُ فِي التَّخْوِيفِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ أَيْنَ صَحَّ تَفْسِيرُ الرُّجُوعِ بِالتَّوْبَةِ؟ وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ إِرَادَةً، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ شَيْئًا كَانَ وَلَمْ يَمْتَنِعْ، وَتَوْبَتُهُمْ مِمَّا لَا يَكُونُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا يَكُونُ لَمْ يَكُونُوا ذَائِقِينَ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ؟ قُلْتُ: إِرَادَةُ اللَّهِ تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِ وَأَفْعَالِ عِبَادِهِ، فَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِهِ كَانَ، وَلَمْ يَمْنَعْ لِلِاقْتِدَارِ وَخُلُوصِ الدَّاعِي وَأَمَّا أَفْعَالُ عِبَادِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَهَا وَهُمْ مُخْتَارُونَ لَهَا وَمُضْطَرُّونَ إِلَيْهَا بِقَسْرِهِ وَإِلْجَائِهِ، فَإِنْ أَرَادَهَا وَقَدَّرَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ أَفْعَالِهِ، وَإِنْ أَرَادَهَا عَلَى أَنْ يَخْتَارُوهَا وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَهَا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي اقْتِدَارِهِ، كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي اقْتِدَارِكَ إِرَادَتُكَ أَنْ يَخْتَارَ عَبْدُكَ طَاعَتَكَ، وَهُوَ لَا يَخْتَارُهَا، لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَتِكَ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَالًّا عَلَى عَجْزِكَ. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا. ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثُمَّ لِلِاسْتِبْعَادِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ مِثْلِ آيَاتِ اللَّهِ فِي وُضُوحِهَا وَإِنَارَتِهَا وَإِرْشَادِهَا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَالْفَوْزَ بِالسَّعَادَةِ الْعُظْمَى بَعْدَ التَّذْكِيرِ بِهَا مُسْتَبْعَدٌ فِي العقل


(١) سورة المائدة: ٥/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>