للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَدَّمَ شَرْحُهَا، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِالِانْقِيَادِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ بِالتَّصْدِيقِ، ثُمَّ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي بَعْدَهُمَا تَنْدَرِجُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِانْقِيَادُ، وَفِي الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ، ثُمَّ خَتَمَهَا بِخُلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا. وَلَمْ يَذْكُرْ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مُتَعَلِّقًا إِلَّا فِي قَوْلِهِ: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً، نَصَّ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْحِفْظِ لِكَوْنِهِ مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ وَمَرْكَبَ الشَّهْوَةِ الْغَالِبَةِ، وَعَلَى مُتَعَلِّقِ الذِّكْرِ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ، إِذْ هُوَ الْعَلَمُ الْمُحْتَوِي عَلَى جَمِيعِ أَوْصَافِهِ، لِيَتَذَكَّرَ الْمُسْلِمُ مَنْ تَذَكَّرَهُ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحُذِفَ مِنَ الْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرَاتِ الْمَفْعُولُ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْحَافِظَاتِهَا وَالذَّاكِرَاتِهِ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ: غَلَّبَ الذُّكُورَ، فَجَمَعَ الْإِنَاثَ مَعَهُمْ وَأَدْرَجَهُمْ فِي الضَّمِيرِ، وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ لَهُمْ وَلَهُنَّ.

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً، وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا، مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً، مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً، وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا.

قَالَ الْجُمْهُورُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ: خَطَبَ الرَّسُولُ لِزَيْدٍ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَبَتْ وَقَالَتْ: لَسْتُ بِنَاكِحَةٍ، فَقَالَ: «بَلَى فَأَنْكِحِيهِ فَقَدْ رَضِيتُهُ لَكِ» ، فَأَبَتْ، فَنَزَلَتْ.

وَذَكَرَ أَنَّهَا وَأَخَاهَا عَبْدَ اللَّهِ كَرِهَا ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ رَضِيَا.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَهَبَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهِيَ أَوَّلُ امرأة وهبت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم نَفْسَهَا، فَقَالَ: «قَدْ قَبِلْتُكِ وَزَوَّجْتُكِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ» ، فَسَخِطَتْ هِيَ وَأَخُوهَا، قَالَا: إِنَّمَا أَرَدْنَاهُ فَزَوَّجَنَا عَبْدَهُ، فَنَزَلَتْ

، وَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تِلْكَ الْأَوْصَافَ السَّابِقَةَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>