للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى، فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ.

رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُشْرِكُونَ: اسْتَلِمْ بَعْضَ آلِهَتِنَا ونؤمن بإلهك، وغير منصوب بأعبد. قَالَ الْأَخْفَشُ: تَأْمُرُونِّي مُلْغَاةٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا: أَفَغَيْرَ نُصِبَ بتأمروني لا بأعبد، لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، إِذِ الْمَوْصُولُ مِنْهُ حُذِفَ فَرُفِعَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:

أَلَا أَيُّهَا ذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى وَالصِّلَةُ مَعَ الْمَوْصُولِ فِي موضع النصب بدلا مِنْهُ، أَيْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي عِبَادَتَهُ؟

وَالْمَعْنَى: أَتَأْمُرُونَنِي بِعِبَادَةِ غَيْرَ اللَّهِ؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ يُنْصَبُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ قَوْلِهِ:

تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَعْبُدُونَ وَتَقُولُونَ لِي: اعبده، وأ فغير اللَّهِ تَقُولُونَ لِي أَعْبُدُ، فَكَذَلِكَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَقُولُونَ لي أن اعبده، وأ فغير اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَعْبُدَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَاتُ مَنْ قَرَأَ أَعْبُدَ بِالنَّصْبِ، يَعْنِي: بِنَصْبِ الدَّالِ بِإِضْمَارِ أَنْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:

تَأْمُرُونِّي، بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتَحَهَا ابْنُ كَثِيرٍ. وقرأ ابن عامر:

تأمرونني، بِنُونَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ وَنَافِعٌ: تأمروني، بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَفَتْحِ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا عَلَى حَذْفِ النُّونِ الْوَاحِدَةِ، وَهِيَ الْمُوَطِئَةُ لِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ الْأُولَى، وَهُوَ لَحْنٌ، لِأَنَّهَا عَلَامَةُ رَفْعِ الْفِعْلِ. انْتَهَى. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:

الْمَحْذُوفَةُ نُونُ الرَّفْعِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ: نُونُ الْوِقَايَةِ، وَلَيْسَ بِلَحْنٍ، لِأَنَّ التَّرْكِيبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ جَرَى فِي أَيِّهِمَا حُذِفَ، وَنَخْتَارُ أَنَّهَا نُونُ الرَّفْعِ.

وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ غَبِيٍّ جَاهِلٍ، نَادَاهُمْ بِالْوَصْفِ الْمُقْتَضِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْجاهِلُونَ. وَلَمَّا كَانَ الْإِشْرَاكُ مُسْتَحِيلًا عَلَى مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَجَبَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ أَيُّهَا السَّامِعُ، وَمَضَى الْخِطَابُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَاجِعِ الخطاب للرسول، إفرادا لخطاب فِي لَئِنْ أَشْرَكْتَ، إِذْ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُخَاطَبَ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ: لَئِنْ أَشْرَكْتُمَا، فَيَشْمَلُ ضَمِيرُ هُوَ ضَمِيرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، وَيُغَلَّبُ الْخِطَابُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْمُومَى إِلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ، فَكَيْفَ قَالَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ عَلَى التَّوْحِيدِ؟ قُلْتُ مَعْنَاهُ: لَئِنْ أُوحِيَ إِلَيْكَ، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مِثْلُهُ، وَأُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَئِنْ أَشْرَكْتَ، كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>