للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ فَلَهُ كَذَا، فَلَا يُنْزَعُ إِلَّا قِطَعًا، وَيَبْقَى مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.

وَقِيلَ: الْحَرْثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ إِذَا أَذْنَبَ اسْتَفْتَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَيَأْمُرُهُ بِالْكَفَّارَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا فِي الْكَفَّارَاتِ وَالتَّبِعَاتِ مُنْذُ تَبِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لُبَدًا، بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِشَدِّ الْبَاءِ وَعَنْهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ: لُبْدًا بِسُكُونِ الباء، ومجاهد وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: بِضَمِّهِمَا.

ثُمَّ عَدَّدَ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ نِعَمَهُ فَقَالَ: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِساناً يُفْصِحُ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ، وَشَفَتَيْنِ يُطْبِقُهُمَا عَلَى فِيهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِمَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّفْخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ:

طَرِيقَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا،

وَعَلِيٌّ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: الثَّدْيَيْنِ

، لِأَنَّهُمَا كَالطَّرِيقَيْنِ لِحَيَاةِ الْوَلَدِ وَرِزْقِهِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ: أَيْ لَمْ يَشْكُرْ تِلْكَ النِّعَمَ السَّابِقَةَ، وَالْعَقَبَةُ اسْتِعَارَةٌ لِهَذَا الْعَمَلِ الشَّاقِّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَذْلُ مَالٍ، تَشْبِيهٌ بِعَقَبَةِ الْجَبَلِ، وَهُوَ مَا صَعُبَ مِنْهُ، وَكَانَ صَعُودًا، فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي سُلُوكِهَا. وَاقْتَحَمَهَا: دَخَلَهَا بِسُرْعَةٍ وَضَغْطٍ وَشِدَّةٍ، وَالْقُحْمَةُ: الشِّدَّةُ وَالسَّنَةُ الشَّدِيدَةُ. وَيُقَالُ: قَحَمَ فِي الْأَمْرِ قُحُومًا:

رَمَى نَفْسَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَا لِلنَّفْيِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَهَبْنَا لَهُ الْجَوَارِحَ وَدَلَلْنَاهُ عَلَى السَّبِيلِ، فَمَا فَعَلَ خَيْرًا، أَيْ فَلَمْ يَقْتَحِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: ذَكَرَ لَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تُفْرِدُ لَا مَعَ الْفِعْلِ الْمَاضِي حَتَّى تُعِيدَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى «١» ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا لِدَلَالَةِ آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، قَائِمًا مَقَامَ التَّكْرِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَلَا آمَنَ. وَقِيلَ: هُوَ جَارٍ مَجْرَى الدُّعَاءِ، كَقَوْلِهِ: لَا نَجَا وَلَا سَلِمَ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا. وَقِيلَ: هو تحضيض بألا، وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ لَا وَحْدَهَا تَكُونُ لِلتَّحْضِيضِ، وَلَيْسَ مَعَهَا الْهَمْزَةُ. وَقِيلَ: الْعَقَبَةُ: جَهَنَّمُ، لَا يُنْجِي مِنْهَا إِلَّا هَذِهِ الْأَعْمَالُ، قَالَهُ الْحَسَنُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَكَعْبٌ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، بَعْدَ أَنْ تَنَحَّلَ مُقَالَةَ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ: هِيَ بِمَعْنَى لَا مُتَكَرِّرَةً فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ: فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ اقْتِحَامَ الْعَقَبَةِ بِذَلِكَ؟ انْتَهَى، وَلَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ فَكَّ فِعْلًا ماضيا.


(١) سورة القيامة: ٧٥/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>