للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ التَّأَخُّرَ، لِأَنَّ تَأَخُّرَ الِاسْمِ هُوَ فَاصِلَةٌ فَحَسُنَ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَبْطُلُ إِعْرَابُ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ الْخَبَرَ وَكُفُوًا حَالٌ مِنْ أَحَدٍ، لِأَنَّهُ ظَرْفٌ نَاقِصٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ سُؤَالُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَجَوَابُهُ.

وَسِيبَوَيْهِ إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي هَذَا الظَّرْفِ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ خبر. قال سيبويه إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي هَذَا الظَّرْفِ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ خَبَرٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَتَقُولُ: مَا كَانَ فيها أحد خير مِنْكَ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِثْلَكَ فِيهَا، وَلَيْسَ أَحَدٌ فِيهَا خَيْرٌ مِنْكَ، إِذَا جَعَلْتَ فِيهَا مُسْتَقِرًّا وَلَمْ تَجْعَلْهُ عَلَى قَوْلِكَ: فِيهَا زَيْدٌ قَائِمٌ. أُجْرِيَتِ الصِّفَةُ عَلَى الِاسْمِ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ عَلَى: فِيهَا زَيْدٌ قَائِمٌ، نَصَبْتَ فَتَقُولُ: مَا كَانَ فِيهَا أَحَدٌ خَيْرًا مِنْكَ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ خَيْرًا مِنْكَ فِيهَا، إِلَّا أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ الْإِلْغَاءَ، فَكُلَّمَا أَخَّرْتَ الْمُلْغَى كَانَ أَحْسَنَ. وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا، فَكُلَّمَا قَدَّمْتَهُ كَانَ أَحْسَنَ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَالْإِلْغَاءُ وَالِاسْتِقْرَارُ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ كَثِيرٌ. قَالَ تَعَالَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

مَا دَامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيًّا انْتَهَى. وَمَا نَقَلْنَاهُ مُلَخَّصًا. وَهُوَ بِأَلْفَاظِ سِيبَوَيْهِ، فَأَنْتَ تَرَى كَلَامَهُ وَتَمْثِيلَهُ بِالظَّرْفِ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مُسْتَقِرًّا، أَيْ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ وَلِكَانَ. فَإِنْ قُلْتَ:

فَقَدْ مَثَّلَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قُلْتُ: هَذَا الَّذِي أَوْقَعَ مَكِّيًّا وَالزَّمَخْشَرِيَّ وَغَيْرَهُمَا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الظَّرْفَ التَّامَّ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ:

مَا دَامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيًّا أَجْرَى فَضْلَةً لَا خَبَرًا. كَمَا أَنَّ لَهُ فِي الْآيَةِ أَجْرَى فَضْلَةً، فَجَعَلَ الظَّرْفَ الْقَابِلَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا كَالظَّرْفِ النَّاقِصِ فِي كَوْنِهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ خَبَرًا، وَلَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ ذِهْنٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَلَامٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ، بَلْ لَوْ تَأَخَّرَ كُفُوًا وَارْتَفَعَ عَلَى الصِّفَةِ وَجُعِلَ لَهُ خَبَرًا، لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْهُ كَلَامٌ، بَلْ أَنْتَ تَرَى أَنَّ النَّفْيَ لَمْ يَتَسَلَّطْ إِلَّا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ كُفُوٌ، وَلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَالْمَعْنَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ مُكَافِئَهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>