للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ فِي (الْمُخْتَصَرِ) : يُكَبِّرُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، فَإِذَا قَامَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي (الْمُدَوَّنَةِ) : إِنْ نَسِيَهُ وَكَانَ قَرِيبًا قَعَدَ فَكَبَّرَ، أَوَ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَلْيُكَبِّرُوا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ قَضَاهَا وَكَبَّرَ، وَإِنْ قَضَى بَعْدَهَا لَمْ يُكَبِّرْ، وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْةِ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ هُوَ لِلْحُجَّاجِ، وَأَنَّ هَذَا الذِّكْرَ هُوَ مما يُخْتَصُّ بِهِ الْحَاجُّ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، سَوَاءٌ كَانَ الذِّكْرُ عِنْدَ الرَّمْيِ أَمْ عِنْدَ أَعْقَابِ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَشْرَكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَنَّ الذِّكْرَ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ، وَتَعْيِينُ كَيْفِيَّةِ الذِّكْرِ وَابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ.

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ أَنَّ: تَعَجَّلَ، هُنَا لَازِمٌ لِمُقَابَلَتِهِ بِلَازِمٍ فِي قَوْلِهِ مَنْ تَأَخَّرَ فَيَكُونُ مُطَاوِعًا لِعَجِلَ، فَتَعَجَّلَ، نَحْوَ كَسَرَهُ فَتَكَسَّرَ، وَمُتَعَلَّقُ التَّعَجُّلِ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ: بِالنَّفْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعَجَّلَ مُتَعَدِّيًا وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: فَمَنْ تَعَجَّلَ النَّفْرَ، وَمَعْنَى: فِي يَوْمَيْنِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ. وَقَالُوا: الْمُرَادُ أَنَّهُ ينفر فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَسَبَقَ كَلَامُنَا عَلَى تَعْلِيقِ فِي يَوْمَيْنِ بِلَفْظِ تَعَجَّلَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَمَنْ تَعَجَّلَ، الْعُمُومُ، فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْآفَاقِيِّ وَالْمَكِّيُّ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ ينفر في اليوم الثاني، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ يُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ نَقُولُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: وَلَمْ يُبَحِ التَّعْجِيلُ إِلَّا لِمَنْ بَعُدَ قُطْرُهُ لَا لِلْمَكِّيِّ وَلَا لِلْقَرِيبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَلْيَنْفِرْ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، إِلَّا آلَ خُزَيْمَةَ. فَإِنَّهُمْ لَا يَنْفِرُونَ إِلَّا فِي النَّفْرِ الْآخِرِ، وَجَعَلَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ قَوْلَ عُمَرَ: إِلَّا آلَ خُزَيْمَةَ، أَيْ: أَنَّهُمْ أَهْلَ حَرَمٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: لِمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِي يَوْمَيْنِ، أَنَّ التَّعَجُّلَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ بَلْ فِي شَيْءٍ مِنَ النَّهَارِ، يَنْفِرُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَعْنِي مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ. أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ أَدْرَكَهُ الْعَصْرُ وَهُوَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى الْغُدُوِّ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَالَ: فِي يَوْمَيْنِ، وَمَا بَقِيَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>