للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحب لله أن يطيعوه في أمره وينتهوا عن نهيه، فكل من كان أطوع لله فهو أشد حباً له. كما قال القائل:

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صادقا لأطعته ... إن المحب لِمَنْ يُحْبُّ مُطِيعُ

ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يا محمد. إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ، يعني حين يرون العذاب. أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً، وفي الآية مضمر ومعناه: يا محمد لو رأيت الذين ظلموا في العذاب، لرأيت أمراً عظيماً كما تقول: لو رأيت فلاناً تحت السياط فيستغني عن الجواب، لأن معناه مفهوم. فكذلك هاهنا لم يذكر الجواب، لأن المعنى معلوم. قرأ نافع وابن عامر: وَلَوْ تَرَى بالتاء على معنى المخاطب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الباقون: بالياء ومعناه ولو يرى عبدة الأوثان اليوم ما يرون يوم القيامة، أن الأوثان لا تنفعهم شيئاً وأن القوة لله جميعاً، تركوا عبادتها. وقرأ ابن عامر إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ بضم الياء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بنصب الياء على معنى الخبر عنهم. وقرأ الحسن وقتادة: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً على معنى الابتداء، وقرأ العامة أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ بالنصب على معنى البناء، يعني بأن القوة لله جميعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ، يعني للرؤساء والاتباع من أهل الأوثان.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا، يعني القادة مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وهم السفلة وَرَأَوُا الْعَذابَ، يقال حين يروا العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ، أي العهود والحلف التي كانت بينهم في الدنيا. وقال القتبي: الأسباب يعني الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا. وقال بعضهم وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ، أي الخلة والمواصلة، كما قال في آية أخرى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٦٧] ويقال: الأرحام والمودة التي كانوا يتواصلون بها فيما بينهم.

قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، أي السفلة: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً، أي رجعة إلى الدنيا وذلك أن الرؤساء لما تبرؤوا منهم ولا ينفعونهم شيئاً، ندمت السفلة على اتباعهم في الدنيا ويقولون في أنفسهم: لو أن لنا كَرَّةً أي رجعة إلى الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، أي من القادة كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا القادة. قال الله تعالى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ لأنهم يرون أعمالهم غير مقبولة، لأنها كانت لغير وجه الله تعالى فيكون ذلك حسرة عليهم. وقوله تعالى:

وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ، يعني التابع والمتبوع والعابد والمعبود.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>