للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، وذلك أن قوماً من العرب مثل بني عامر وبني مدلج وخزاعة وغيرهم، حرموا على أنفسهم أشياء مما أحل الله من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة وغير ذلك، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً من الحرث والأنعام، وحلالاً نصب على الحال. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، يعني طاعات الشيطان. وقال مقاتل: يعني تزيين الشيطان. ويقال: وساوس الشيطان. وقال القتبي: الخطوات جمع الخطوة. وقال الزجاج: خطواته أي طرقه، ومعناه: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، أي ظاهر العداوة.

إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ، يعني بالإثم والقبيح من العمل. ويقال: السوء الذي يجب به الحبس والحساب، والفحشاء: التي يستوجب بها العقوبة في النار. ويقال: السوء الذي يجب به التعزير في الدنيا، والفحشاء التي يجب بها الحد. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، يعني أن الشيطان يأمركم بأن تكذبوا على الله، لأنهم كانوا يقولون هذه الأشياء حرم الله علينا.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٠]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠)

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أي اعملوا بما أنزل الله في القرآن من تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله. قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، يعني ما وجدنا عليه آباءنا. قال الله تعالى: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ، معناه أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالاً فيتابعوهم بغير حجة؟ فكأنه نهاهم عن التقليد وأمرهم بالتمسك بالحجة. وهذه الواو مفتوحة وهي واو: أَوَلَو لأنها واو العطف أدخلت عليها ألف التوبيخ وهي ألف الاستفهام.

قرأ أبو عمرو ومن تابعه من أهل البصرة: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ [البقرة: ١٦٧] بكسر الهاء والميم، وكذلك في كل موضع تكون الهاء والميم بعدهما ألف ولام. مثل قوله تعالى:

وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة: ٦١] وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ [الحجر: ٣] . وكان عاصم وابن عامر ونافع يقرءون بكسر الهاء وضم الميم. وكان حمزة والكسائي يقرآن: بضم الهاء والميم. وكان ابن كثير يقرأ: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ بضم الميم، وكذلك إِنَّما يَأْمُرُكُمْ وكذلك كل ميم نحو هذا مثل: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: ٧] ، عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ [البقرة: ٧] . وكان نافع في رواية ورش عنه يقرأ: سكون الميم، إلا أن يستقبله ألف أصلية فيضم الميم مثل قوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [البقرة: ٦ ويس: ١٠] إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ [الكهف: ٢١] ، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح: ١٤] . وكان حمزة والكسائي يقرءون بسكون الميم، إلا أن يستقبله ألف ولام مثل قوله: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة: ٦١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>