للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وكان مسطح من فقراء المهاجرين ومن أقرباء أبي بكر «١» .

وَلْيَعْفُوا، يقول: ليتركوا وَلْيَصْفَحُوا يعني: وليتجاوزوا. أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، فقال أبو بكر: أنا أحب أن يغفر الله لي، فقد تجاوزت عن قرابتي، ويقال: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر: «أَلاَ تُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكَ» ؟ قال: نعم. فقرأ عليه السلام هذه الآية، وأمره بأن ينفق على مسطح «٢» . وفي الآية دليل: على أن من حلف على أمر فرأى الحنث أفضل منه، فله أن يحنث ويكفر عن يمينه، ويكون له ثلاثة أجور: أحدها: ائتماره بأمر الله تعال والثاني: أجر بره وذلك صلته في قرابته، والثالث: أجر التكفير. ثم قال تعالى: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يعني:

غَفُورٌ لذنوبكم رَحِيمٌ بالمؤمنين.

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)

قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، يعني: العفائف الْغافِلاتِ، يعني:

عن الزنى والفواحش. الْمُؤْمِناتِ، يعني: المصدقات بالألسن والقلوب، لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وأصل اللعن: هو الطرد والبعد، ويقال للشيطان: اللعين، لبعده عن الرحمة. وروي في الخبر: «أن يوم القيامة تكون هذه الأمة شاهدة على الأمم الأولين، إلا الذين تجري على لسانهم اللعنة» . وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه سمع رجلاً يلعن بعيره، فقال: «أَتَلْعَنُهَا وَتَرْكَبُهَا؟» فنزل عنها، ولم يركبها أحد «٣» .

قوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، يعني: شديد يوم القيامة. وذكر أن حسان بن ثابت ذهب بصره في آخر عمره، فدخل يوماً على عائشة رضي الله عنها، فجلس عندها ساعة، ثم خرج، فقيل لها: إن الله تعالى قال: لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ في الدنيا والآخرة. فقالت عائشة:

أو ليس هذا أعظم؟ يعني: ذهاب بصره. ويقال: عَذابٌ عَظِيمٌ إن لم يتوبوا. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، أي بِمَا تكلموا.

ثم قال: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ، يعني: يوفيهم جزاء أعمالهم. قرأ حمزة والكسائي يَشْهَدُ بالياء بلفظ المذكر، وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث، لأن الفعل مقدم، فيجوز أن يذكر ويؤنث. وقرأ مجاهد الحق بضم القاف، فيكون الحق نعت لله، وتكون قراءة


(١) عزاه السيوطي: ٦/ ١٦٢ إلى ابن المنذر وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٢، ٣) عزاه السيوطي: ٦/ ١٦٢ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>