للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة، عند عمله. وهذا كما قال إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الفجر: ١٤] ، يعني: مصير الخلائق إليه فَوَفَّاهُ حِسابَهُ، يعني: يوفيه ثواب عمله وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، فكأنه حاسب، ويقال:

سريع الحفظ، ويقال: إذا حاسب فحسابه سريع، فيحاسبهم جميعاً، فيظن كل واحد منهم أنه يحاسبه خاصة، فلا يشغله حساب أحدهم عن الآخر، لأنه لا يحتاج إلى أخذ الحساب، ولا يجري فيه الغلط، ولا يلتبس عليه، ويحفظ على كل صاحب حسابٍ حسابه ليذكره، فهذا المثل لأعمال الكفار، والتي في ظاهرها طاعة، فأخبر أنه لا ثواب لهم بها.

ثم ضرب مثلاً آخر للكافر، فقال عز وجل: أَوْ كَظُلُماتٍ قال بعضهم: الألف زيادة، ومعناه: وكظلمات، يعني: ومثلهم أيضاً كظلمات. ويقال: أَوْ للتخيير، يعني: إن شئت فاضرب لهم المثل بالسراب، وإن شئت بالظلمات، فقال: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يعني: مثل الكفار كمثل من في الظلمات. فشبّه قلب المؤمن بالقنديل، وشبّه قلب الكافر بالظلمات، يعني: كمثل رجل يكون في بحر عميق في ليل كثير الماء يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ يعني: يكون في ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة السحاب، فكذلك الكافر في ظلمة الكفر، وظلمة الجهل، وظلمة الجور والظلم. ويقال: يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ يعني: المعاصي، ومن فوقه العداوة والحسد والبغضاء، ومِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ يعني: الخذلان من الله تعالى.

ثم قال: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ كما قال للمؤمن: نُورٌ عَلى نُورٍ فيكون للكافر ظلمة على ظلمة، قوله ظلمة، وعمله ظلمة، واعتقاده ظلمة، وقال أبو العالية: يتقلّب في خمس من الظّلم: كلامه ظلمة، وعلمه ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمة، وهو النار. ويقال: شبه قلب الكافر بالبحر العميق، وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث، طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وسمعهم وأبصارهم، فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق.

ثم قال: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها يعني من شدة الظلمة، فإذا أبرز يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا من شدة الظلمة، يعني: لم يكن شيء أقرب إليه من نفسه فلم ير نفسه، فكذلك الكافر لم ينظر إلى القبر ولم يتفكر في أمر نفسه أيضا، كقوله عز وجل: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:

٢١] .

ثم قال: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ يعني: من لم يكرمه الله بالهدى فما له من مكرم بالمعرفة. قرأ ابن كثير ظُلُماتٌ بكسر التاء والتنوين، فكأنه يجعله بمنزلة قوله كَظُلُماتٍ. وقرأ الباقون بالضم على معنى الابتداء. وقرئ في الشاذ: سحاب ظلمات، على معنى الإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>