للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)

قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ يعني: يصلي له ويذكر له. ويقال: يخضع له.

مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي من في السموات من الملائكة، ومن فى الارض من الخلق.

وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ يعني: مفتوحة الأجنحة. وأصل الصّفّ: هو البسط، ولهذا يُسمى اللحم القديد صفيفاً لأنه يبسط كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ يعني: كل واحد من المسبحين يعلم كيف يصلي، وكيف يسبح، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ يعني: والله يعلم عمل كل عامل، فيجازيهم بأعمالهم، إلا أنه لا يعجل بعقوبة المذنبين والكافرين، لأنه قادر عليهم.

قوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهذا معنى قوله وَلِلَّهُ ملك السّموات قال مجاهد في قوله: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه، ثم قال: وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ يعني: إليه المرجع في الآخرة.

قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً يعني: يسوق سحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ يعني: يجمع بينه ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً يعني: قطعاً قطعاً، ويقال: يجعل بعضها فوق بعض.

فَتَرَى الْوَدْقَ يعني: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ يعني: من وسط السحاب. قرأ ابن عباس:

يخرج خلاله وقراءة العامة مِنْ خِلالِهِ، وهي جمع خلل. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ يعني: من جبال في السماء. قال مقاتل: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «جبال السماء أكثر من جبال الأرض، فِيهَا مِن بَرَدٍ» يعني: في الجبال من برد، ويقال: وهو الجبال من البرد، أي: ينزل من السماء من جبال البرد. وروي عن ابن عباس أنه قال: «البرد هو الثلج، وما رأيته» . ويقال: الجبال عبارة عن الكثرة، يعني: ينزل الثلج مقدار الجبال، كما تقول: عند فلان جبال من مال، أي: مقدار جبال من كثرته. ويقال البرد هو الذي له صلابة كهيئة الجمد فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ يعني: البرد، يصيب الزرع والإنسان إذا كان في مفازة. وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فلا يصيبه، ويقال: فَيُصِيبُ بِهِ، يعني: يعذب به من يشاء، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فلا يعذبه. يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يعني: ضوء برقه. يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يعني: من شدة نوره. قرأ أبو جعفر المدني: يذهب بضمِّ الياء وكسر الهاء، وقراءة العامة يَذْهَبُ بنصب الياء والهاء.

ثم قال: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يعني: يذهب الله بالليل ويجيء بالنهار، ويقال ينقص من النهار، ويزيد من الليل. إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: في تقلبهما، واختلاف ألوانهما لَعِبْرَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>