للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرعون أن هاهنا إنساناً يذكر أنه رسول رب العالمين، فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه. وقال السدي: لما أتى باب فرعون ضرب موسى عليه السلام عصاه على الباب، ففزع من ذلك فرعون، فأذن له في الدخول من ساعته، فلما دخل عليه عرفه، فأدى الرسالة، فقال له فرعون:

أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً. - قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أول ما بدأ فرعون بكلام السفلة، ومنَّ على نبي الله صلّى الله عليه وسلّم أنما أطعمه «١» -. فقال: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً. يعني: ألم تكن فينا صغيراً قد ربيناك وَلَبِثْتَ فِينا يعني: مكثت عندنا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ يعني: ثلاثين سنة وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني: قتلت النفس التي قتلتها.

وقرأ في الشاذ: فَعْلَتَكَ بكسر الفاء هي قراءة الشعبي، وقراءة العامة بالنصب، والنصب يقع على فعل واحد، والكسر على المرات. يعني: قتلت مرة، وهممت بالقتل ثانياً ثم قال: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي: مِنَ الكافرين بنعمتي. ويقال: كفرت بي حيث قتلت النفس.

ويقال: وأنت من الجاحدين للقتل. يعني: لم تقر بالقتل، فأخبره موسى أنه غير جاحد للقتل قالَ فَعَلْتُها إِذاً يعني: قتلت النفس وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن النبوة كقوله وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى: ٧] ويقال: من الجاهلين ولم أتعمد القتل. قال القتبي: أصل الضلالة العدُول عن الحق، ثم يكون لمعاني منها النسيان، لأن الناسي عادل عنه، فكما قال هاهنا فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أي: من الناسين وكما قال: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة:

٢٨٢] .

ثم قال عز وجل: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ يعني: هربت منكم إلى مدين لَمَّا خِفْتُكُمْ على نفسي أن تقتلوني فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً قال الكلبي: يعني النبوة، وقال مقاتل: يعني العلم والفهم، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ إليكم.

ثم قال عز وجل: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ يعني: أو كان هذا نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل، فكأنه أنكر عليه. فقال: كيف تكون نعمتك التي تمن علي؟ فإنك قد عبدت بني إسرائيل، أي استعبدتهم، ولم تعبدني. ويقال: معناه تِلْكَ نِعْمَةٌ إنما صارت نعمة بتعبيدك بني إسرائيل، لأنك لو لم تعبدهم لم تجعلني أمي في التابوت حتى صرت في بيتك، ولكن إنما صارت نعمة لأجلك، حيث عبدت بني إسرائيل. وقال مقاتل:

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تمنها على يا فرعون بإحسانك إلي خاصة، وبترك أبنائك أن عبدت بني إسرائيل.

وقال الكلبي يقول: تستعبد بني إسرائيل، وتمن علي بذلك.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٣ الى ٣٣]

قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)

قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢)

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)


(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «ب» .

<<  <  ج: ص:  >  >>