للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحياء عند ربهم. وقال بعضهم: يعني من في الجنة ومن في النار من الخدم والخزنة. وقال بعضهم: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يعني: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، ثم يموتون بعد ذلك وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ.

روى سفيان بإسناده عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ: وَكُلٌّ أَتَوْهُ بغير مد ونصب التاء، وهي قراء حمزة وعاصم في رواية حفص. وقرأ الباقون بالمد والضم. ومن قرأ بالمد والضم، فمعناه: كل حاضروه داخِرِينَ أي: صاغرين. ويقال: متواضعين. ومن قرأ بغير مد يعني:

يأتون الله عز وجل.

وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً يعني: تحسبها واقفة مكانها ويقال: مستقرة وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حتى تقع على الأرض فتستوي، يعني: في أعين الناظرين كأنها واقفة. قال القتبي: وكذلك كل عسكر غض به الفضاء أو شيء عظيم، فينظر الناظر، فيرى أنها واقفة وهي تسير.

ثم قال عز وجل: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يعني: أحكم خلق كل شيء. ويقال:

الشيء المتقن: أن يكون وثيقاً ثابتاً، فما كان من صنع غيره يكون واهياً، ولا يكون متقناً ثم قال: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ أي: عليم بما فعلتم.

قوله عز وجل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ يعني: بالإيمان والتوحيد، وهو: كلمة الإخلاص وشهادة أن لا إله إلا الله فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها على وجه التقديم، وله منها خير أي: حين ينال بها الثواب والجنة. ويقال: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها. أي: خير من الحسنة. يعني: أكثر منها للواحد عشرة. ويقال: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها من الحسنة، وهي الجنة، لأن الجنة هي عطاؤه وفضله، والعمل هو اكتساب العبد، فما كان من فضله وعطائه، فهو أفضل، وهذا تفسير المعتزلة، والأول قول المفسرين.

ثمّ قال: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ يعني: من فزع يوم القيامة آمِنُونَ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر مِنْ فَزَعٍ بغير تنوين، وَيَوْمَئِذٍ بكسر الميم، وقرأ نافع في رواية ورش مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بغير تنوين ونصب الميم وقرأ الباقون بالتنوين، ونصب الميم. قال أبو عبيد: وبالإضافة نقرأ، لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وإذا قال:

فَزَعٍ بالتنوين، صار كأنه قال: فزع دون فزع. وقال غيره: إنما أراد به الفزع الأكبر، لأن بعض الأفزاع تصيب الجميع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ بالياء على معنى الإخبار عنهم، وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة.

ثم قال عز وجل: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني: بالشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يعني:

قلبت وُجُوهُهُمْ فِى النار ويقال: يكبون على وجوههم، ويجرون إلى النار، وتقول لهم خزنة النار: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك ويقال: فَكُبَّتْ أي: ألقيت وطرحت.

<<  <  ج: ص:  >  >>